أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فكرة الهدنة طويلة الأمد عبثية وخاطئة ... أ.د. محمد اسحق الريفي

فكرة الهدنة طويلة الأمد بين الفلسطينيين والعدو الصهيوني، مقابل إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود سنة 1967، فكرة عبثية وخاطئة في آن، وتشكل خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الظروف العربية الراهنة، المتمثلة في تمحور أنظمة رسمية عربية حول السياسة الأمريكية الشرق أوسطية.

يبدو أن الأمريكيين وحلفاءهم الأوروبيين قد يئسوا من تغيير حركة حماس لأيديولوجيتها، أو تخليها عن الثوابت الفلسطينية، خاصة بعد فشل الحرب الصهيونية على غزة، وفشل حصار غزة في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وفشل محاولات الأمريكيين والصهاينة لتحريض الفلسطينيين ضد الحكومة التي تتولاها حماس، ما دفع الأمريكيين وحلفاءهم إلى البحث في إمكانية استخدام فكرة الهدنة طويلة الأمد، التي طرحتها حماس قبل نحو عشرين سنة، لصياغة مؤامرة جديدة وتمريرها على الشعب الفلسطيني، ساعين في الوقت ذاته إلى تفعيل المبادرة العربية للسلام وخطة خريطة الطريق، لتجاوز ما يصفه الغربيون بمشكلة عدم قدرة حماس على تغيير أيديولوجيتها. وهذا من شأنه أن يمهد لبدء مرحلة جديدة يتم فيها إلهاء الشعب الفلسطيني بسراب تسوية جديدة!.

وتتمثل عبثية فكرة الهدنة طويلة الأمد في أن الكيان الصهيوني لن يلتزم بأي اتفاقيات أو معاهدات لا تحقق له مصلحته وأمنه، ولا تخدم (المشروع) الصهيوني، ولا سيما أنه أصبح يطرح فكرة يهودية الدولة بصراحة ووقاحة، وبإلحاح عنيف، لأنه يعتقد أن الظروف المحلية المتمثلة في وجود طرف فلسطيني مشارك له في مخطط تصفية المقاومة والقضية الفلسطينية، والظروف الإقليمية المتمثلة في رفض محور الاعتدال العربي لوصول حماس إلى السلطة دون الالتزام بمحددات عمليتي أوسلو وأنابوليس للتسوية، أصبحت هذه الظروف ملائمة أكثر من أي وقت مضى لطرح فكرة يهودية الدولة.

ولذلك سيتمكن العدو الصهيوني في ظل الظروف العربية البائسة من استغلال مشروع الهدنة للتغلب على مشاكله العلاقات العامة التي يعاني منها، وتحسين صورته المقززة لدى العالم، ووقف تعاظم الدعم الشعبي العربي والإسلامي لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية، ومنع تحول هذا الدعم إلى برامج وفعاليات ضمن إستراتيجية شعبية عربية وإسلامية لنصرة الشعب الفلسطيني. كما ستستغل أنظمة محور الاعتدال العربي الهدنة في تصعيد محاربتها لتيار المقاومة والممانعة في منطقتنا، خاصة بعد انتصار المقاومة الإسلامية على جيش الاحتلال الصهيوني، الذي تبين للشعوب العربية والإسلامية مدى ضعفه، وعجزه عن تحقيق أهدافه، وفشله في ردع المقاومة وإخضاع الشعب الفلسطيني للإرادة الصهيونية.

يشعر العدو الصهيوني الآن بأنه قوي، في ظل انقسام فلسطيني خطير، وأنه لا شيء يستطيع كفه عن الاستمرار في عمليات التهويد والاستيطان، ومحاصرة القدس المحتلة وتهجير العرب الفلسطينيين منها، وبتر الضفة إلى جزأين، ومحاصرة غزة، والضغط على فلسطينيي الداخل الفلسطيني المحتل منذ 1948... ولكن العدو الصهيوني يحتاج إلى تهدئة طويلة، تمكنه من الانطلاق إلى العالمين العربي والإسلامي، وإقامة علاقات طبيعية مع دول عربية وإسلامية، بذريعة حل القضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية!!

ويكمن خطر الهدنة طويلة الأمد في أنها تبرر للعرب التطبيع مع الكيان الصهيوني، في إطار اتفاقية (سلام) تضفي شرعية عربية ودولية، وربما فلسطينية، على الكيان الصهيوني، وتفضي إلى إقامة دولة يهودية. ومن يزعم أن الدولة الفلسطينية، التي سيوافق المجتمع الدولي على إقامتها مقابل الهدنة، ستكون كاملة السيادة فهو واهم!. فلا العدو الصهيوني، ولا المجتمع الدولي، ولا محور الاعتدال العربي، يوافق على إقامة دولة فلسطينية تتمتع بسيادة حقيقية. ولذلك سيطلب هؤلاء جميعاً من حماس التعهد بعدم تهريب السلاح إلى غزة، ووقف المقاومة تماماً طيلة مدة الهدنة، التي ستبلغ خمس عشرة سنة على الأقل.

وأثناء الهدنة، سيستمر العدو الصهيوني في عمليات التهويد والاستيطان، لإكمال مشروع تمزيق الضفة المحتلة، ومحاصرة القدس، وتهويدها، وتحويل الأراضي الفلسطينية إلى كنتونات صغيرة محاصرة ومعزولة عن بعضها البعض. ولن يوقف العدو الصهيوني أثناء هذه الهدنة حربه الصامتة على الوجود العربي الفلسطيني في القدس المحتلة، فلا شيء، سوى المقاومة، يضمن تخلي العدو الصهيوني عن مخططاته وعدوانه.

ولذلك فإن من أكبر أخطار هذه الهدنة طويلة الأمد، وقف المقاومة، والكف عن المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين، بل وتوطينهم في أماكن لجوئهم، وفرض حالة استرخاء عربي وإسلامي، ما يمهد الطريق أمام العدو الصهيوني لإقامة دولة يهودية.

23/6/2009

(86)    هل أعجبتك المقالة (94)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي