العودة الميمونة لداعش المدللة... مزن مرشد*

ما إن هدأت فوبيا داعش، واختفى مقاتلوها مثلما تختفي حفنة ماء من بين الأصابع.
وبعد أقل من ستة أشهر على إعلان النصر عليه، أتحفنا التنظيم عبر قنواته على وسائل التواصل الاجتماعي بإعلان عودته لنشاطه في سوريا، وضمّن إعلانه بأنه سيوجه ضرباته ضد قوات التحالف وحلفائهم الأكراد على حسب تعبيره.
جاء الإعلان هذه المرة صريحاً وواضحاً ولا لبس فيه، فسلاح داعش لم ولن يوجه ضد النظام.
فهل هُزم داعش بالفعل أم أن فصول المسرحية اقتضت هذا النصر إلى حين؟
في عام 2011 عندما انسحبت القوات الأمريكية من العراق كان تعداد مقاتلي التنظيم عندها حوالي 700 إلى 1000 مقاتل، في حين كان تعدادهم في آب من عام 2018 وفقاً للتقديرات الاستخباراتية العراقية حوالي 30 ألف مقاتل، وحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن هذا العدد لا يشمل مقاتلي التنظيم الموجودين في فروعه الأخرى، فنشاط التنظيم وانتشاره تتوسع في مناطق وبلدان عديدة، وكأن إعلان النصر عليه يكون فرصةً له لرص صفوفه وتطويع المزيد من المقاتلين في صفوفه والمبايعين له.
في نهاية حزيران المنصرم 2019 أصدر معهد دراسات الحرب في واشنطن تقريراً بعنوان "عودة داعش الثانية: تقييم تمرد داعش المقبل" يقول التقرير إن تنظيم الدولة استطاع تأسيس جيش كبير مكنه من استعادة الفلوجة والموصل ومدن أخرى في العراق والسيطرة على معظم شرق سوريا خلال ثلاث سنوات فقط، وسوف يتعافى بشكل أسرع بكثير مما حدث مع العودة الأولى، وسيصل إلى مستوى أكثر خطورة من القوة في ولادته الثانية.
وهذه العودة الثانية أتت الآن قبيل الإعلان عن إنجاز اتفاق شرق الفرات بين تركيا من جهة وأمريكا والكورد من جهة ثانية، وعودة الأمل بوجود منطقة آمنة يستطيع السوريون أن يعودوا إليها كأضعف الإيمان، هذا الاتفاق ذاته الذي رفضه النظام جملة وتفصيلاً، فلبت داعش حليفها السري سريعاً وأعلنت عودتها لمقاتلة التحالف والأكراد.
وبالطبع ليس من الصعب أبداً أن نتوقع أين ستكون معارك داعش وضرباتها داعش هذه المرة.
في بداية ظهور داعش كنا نعتقد بأنها كما تدعي جاءت لتقاتل النظام دفاعاً عن المسلمين في سوريا -رغم رفضنا لنهجها ومنهجها- لكن التنظيم المتطرف لم يشتبك مع النظام نهائياً، بل كان أشبه بالذراع العسكري للأسد المقاوم، في مقاومة أعدائه الثائرين عليه، وتسليط ويلاته ضد فصائل الثورة المقاتلة.
تركزت هجمات داعش في سوريا بمعظمها ضد الجماعات المعارضة المقاتلة، فقد كان حوالي 64% من هجماتهم ضد المعارضة، على عكس ما اتبعوه في العراق إذ كانت هجماتهم هناك مركزة ضد قوات الأمن العراقية، ما جعل الأمر يبدو جلياً للجميع عن حقيقة التنظيم في سوريا.
بالمقابل كانت ضربات نظام الأسد بمعظمها عبارة عن ضربات جوية استهدفت جماعات أخرى غير داعش.
والملفت في المسألة والتي لا أظن أن أحداً لم يلحظها، أن داعش كان يدخل مباشرة للمناطق التي ينسحب منها النظام، ليري سكان تلك المناطق الويلات فتصبح المقارنة بين داعش والنظام كالمقارنة بين الجنة والنار.
وما زلنا نعتقد بل ونجزم أن النظام وداعش حليفان استراتيجيان ولا أمل بأن نشهد يوماً قتالاً بينهما، فلا يمكن لذئب أن يأكل أولاده، وما لنا إلا أن ننتظر ما الذي ستتفتق عنه عبقرية الأسد في توقيت عودة التنظيم، وما الذي ستتفتق عنه عبقرية التنظيم في حماية الأسد والمد بعمر الحرب، وإجهاض أي خطوة من شأنها أن تجلب ولو قليلاً.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية