تناقش الولايات المتحدة وروسيا ما يسميانه الطريق إلى الأمام بشأن سوريا، في خطوة لا نراها سوى مساعدة لنظام دمشق للخروج من عزلته والمد بعمره.
تنتهي جولة جديدة في أستانا، يقبل النظام بوقف إطلاق النار في إدلب، لكنه وكالعادة يخرقها بعد أيام، ضارباً بعرض الحائط كل الاتفاقات الدولية، محولاً كل مسارات الحوار السورية كعادته إلى رماد.
بعد تسع سنوات من الدم، وجولات حوارية من جنيف إلى أستانا إلى سوتشي يبقى الحال كما هو، نظام موغل بالقتل وقرارات بقيت حتى اللحظة حبراً على ورق.
في أيار الماضي وبعد اجتماع مكثف لمجلس الأمن يصرح المبعوث الأمريكي إلى سوريا للصحفيين بأن موسكو وواشنطن تستكشفان "مقاربة تدريجية" لإنهاء الصراع السوري، لكن هذا يتطلب "قرارات صعبة" وخلال لقاء في مدينة سوتشي الروسية بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو والرئيس الروسي، في منتصف ذات الشهر ناقش الوزير خطة "تسمح للحكومة السورية أن تمتثل لقرار الأمم المتحدة 2254 ويقول بأنه يعتقد أن بإمكان الطرفين أن يبدآ بالعمل معاً على طريقة تكسر هذا الجمود.
لم تعد الولايات المتحدة تدعو إلى رحيل بشار الأسد، لكن بالمقابل أيضاً يبدو أن أمريكا غير مستعدة لتقديم أي حوافز للنظام السوري للتوصل إلى اتفاق.
تنفذ أمريكا ما يخدم مصالحها وتتقدم بالاتفاق مع تركيا حول شرق الفرات، في تقسيم نفوذ بات أمراً واقعاً على الجميع.
وفي المقلب الآخر ما تزال روسيا تقف حاجزاً منيعاً في وجه سقوط الأسد، فما حققته من مصالح في سوريا وما ستحققه على المدى البعيد، يجعلانها تفضل أن تبقى الأمور على حالها ولا مصلحة لها لا بانتهاء الصراع ولا برحيل الأسد.
ومع ذلك يبقى التصريح الروسي في كل مناسبة "إن روسيا مستعدة للتنسيق مع الولايات المتحدة لتحقيق "رؤية مشتركة" حول سبل تحقيق "تسوية سياسية مستدامة في سوريا".
ويبقى الرد الأمريكي الدائم بأن التعاون الروسي الأمريكي ضروري لتسوية النزاع السوري، الذي خلف أكثر من 370،000 قتيل، لكن يجب على دمشق قبول تدابير معينة. وحتى هذه اللحظة لم نعرف ما هي هذه التدابير المعينة التي تريدها أمريكا من النظام؟
في صمت قاتل، يستمر القتل في سوريا، يستمر القصف الهمجي في إدلب، قصف عنيف يهدف إلى قتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء وتدبير البنية التحتية للمدينة وريفها بالكامل.
تصبح إدلب بيضة القبان في القضية السورية، إذ لا يمكن عودتها لها لحضن القاتل، ولا أحد يحميها من العالم أجمع، فهي ورقة اللعب التي يمررها أصحاب المصالح لبعضهم تاركين مصير ثلاثة ملايين شخص تحت رحمة اللعبة السياسية التي باتت واضحة المعالم... الأسد لن يسقط إلا بالتخلي الروسي والإيراني عن حمايته وإدلب سيستمر وضعها معلقاً طالما لم يحسم الصراع.
تتحول المدينة إلى جهنم، شعور تام بالتخلي من قبل العالم أجمع، النظام يقضي على العديد من المستشفيات والمراكز الصحية، وكذلك الأسواق والمدارس والمساجد، يتم استهدافها وتدميرها بشكل منهجي من خلال الضربات التي يشارك فيها الطيران الروسي.
حتى اليوم قُتل أكثر من 500 مدني في القصف على إدلب منذ نهاية نيسان الماضي. وجرح أكثر من 1600 شخص.
يقطن في المدينة 3 ملايين نسمة، من بينهم 1.5 مليون نازح من مختلف المناطق.
عانت إدلب كغيرها من المدن السورية، وخبرت كل أشكال التنكيل منذ أولى مظاهراتها السلمية، التي قوبلت بالرصاص، وخبرت الحصار والقصف والموت، ثم كانت ملجأً لكل من هُجِر من مناطق خفض التصعيد... لتصبح المدينة، المنطقة الأكثر كثافةً في البلاد، وبذلك يكون القصف عليها اليوم جريمة ممنهجة لا يمكن غفرانها.
بعد أكثر من ثمان سنوات من الثورة وقمعها، والحرب وعواقبها، ننظر إلى المشهد من بعيد، فلا نرى سوى بلد متصدع، على حافة الانهيار، مجتمع مفكك، دولة فاشلة غارقة بالفساد.
وبغض النظر عن نتيجة معركة إدلب، التي يمكن أن يكون للتقارب الحالي بين روسيا وتركيا وأمريكا تأثيراً عليها، فإن الوضع في سوريا على ما يبدو لا يزال بعيداً عن الاقتراب من أي نتيجة محتملة تنهي هذا الصراع المعضلة، وستبقى قضية إدلب معلقة بين تعنت الأطراف الدولية بعدم فرض حل سلمي في البلاد وبين تعنت الأسد وداعميه بكرسي الرئاسة الأمر الذي يعتبر تمثيلاً دقيقاً لمثلنا الشهير "مقسوم لا تاكل وصحيح لا تقسم".
ولا طريق لحلول السلام في سوريا إلا عبر طريق واحد، وواحد فقط ...رحيل الأسد.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية