انتحار الطالبة (ر) قبل عدّة أيام من بدء الامتحانات العامة للشهادة الثانوية، نموذج لحالات الضغط النفسي والتوتر الذي يعيشه طلاب الشهادتين في هذه الفترة بالذات، فـ (ر) ـ بحسب مصادر مقرّبة من عائلتها ـ طالبة في الصف الثالث الثانوي الأدبي، وهي مجتهدة جداً في دراستها، كانت تسعى إلى تحصيل العلامة التامّة، لكنّها في اللحظة الأخيرة شعرت بأنّها مقصرة، ولن تستطيع المخاطرة، ممّا ولّد لديها حالة من الانفجار العصبي دفعتها إلى الخيار الأخير، فقضت نحبها بعد أن شنقت نفسها بستارة غرفتها.
¶ توتر نفسي
من المؤكّد أنّ هناك الآلاف من الطلبة المتقدمين إلى الامتحانات ممّن يعانون ضغطاً وتوتّراً نفسياً، جرّاء الجهود المكثّفة التي يبذلها الطالب، ونتيجة السهر، وقلّة النوم، إذ يعتقد الطالب وأهله أنّ هذه المرحلة هي التي ستحدّد مستقبل الطالب، هبة خليل (بكالوريا - أدبي) قالت: «لا خوف، ولا توتر، أنا مستعدّة تماماً للتقدم إلى الامتحان النهائي، ولكن تبقى رهبة اليوم الأوّل ذات وقعٍ في نفوس كلّ الطلاب، والأهم أن يثق الطالب بنفسه، ويستعدّ منذ بداية العام حتى يقلّل من التوتر النفسي الذي ينتاب بعض الطلاب قبل الامتحانات».
أمّا آلاء 18 عاماً (بكالوريا ـ علمي) فقد أشارت إلى أنّ التوتر قبل الامتحان لامفرّ منه، سواء كان الطالب مستعداً بشكل فعلي أم لا، ويستمر التوتر حتى فترة ما بعد الامتحانات، حيث ينتظر الطالب النتائج ومن ثمّ صدور المفاضلة، والتي غالباً ما تكون معدّلاتها مرتفعةً، لذلك فأيّ خطأ صغير في الامتحان من الممكن أن يودي بمستقبل هذا الطالب.
¶ نأمل خيراً
أمّا التعميمات والإجراءات التي تطلقها وزارة التربية كلّ عام لضمان سير العملية الامتحانية، فهي قضية أخرى، حسام محمد (طالب بكالوريا ـ أدبي)، قال: «إنّ وزارة التربية في كلّ مرة تتّخذ الكثير من الإجراءات الاحترازية، لكن على الرغم من ذلك هناك حالات غشّ كثيرة يستخدمها الطلاب، ما يسبّب في بعض الأحيان شغباً يؤثّر سلباً على الطلاب الآخرين، ويقال هذا العام إنّه سيتم تشديد الإجراءات، من حيث المراقبة، وعمليات التفتيش، ونأمل خيراً بما فيه مصلحة للجميع».
¶الكاميرا تتحدّث
النقطة المهمّة التي تبقي محلّ جدل، هي ما يتعلق بالمراقب، وتعاونه مع الطالب،عواطف الكنج (مراقبة منذ 24 عاماً)، قالت: «واجب المدرسين أثناء المراقبة هو عدم قيامهم بأيّ سلوك من الممكن أن يقلق الطالب، كالتجول بشكل سريع ومستمرّ بين المقاعد، فالمراقب يجب أن يكون هادئاً يمتصّ توتّر الطلاب، لا أن يزيد هذا التوتر، فأيّ حركة منه من الممكن أن تشتّت تركيز الطالب، وخاصة في الفروع العلمية».
أمّا سمر بدر (مراقبة) فقالت: «نحرص أثناء تعاملنا مع حالات الغش في القاعة على عدم الجدل مع الطالب، وتأجيل أيّ إجراءات حتى انتهاء الامتحان».
كلّ ما سبق يتحدّث عن الدقائق الأخيرة قبل بدء الامتحانات، لكن ماذا بعد تقديم أوّل امتحان، في اليوم الأوّل من الامتحان كان عبد اللطيف قد خرج من القاعة مستبشراً خيراً بالمواد المتبقية، فمستوى الأسئلة لمادة الفلسفة كان مقبولاً ومتوقعاً، والجوّ العام للامتحان كان مريحاً، وكذلك المراقبة لم تتدخّل بأيّ طالب، طالما هو لم يلجأ إلى أيّ طريقة للغش، وأضاف: زال اليوم كلّ التوتر والرعب الذي عشته فترة ما قبل الامتحان.
أمّا علياء فقد وجدت صعوبة في الربط بين الأفكار في موضوع الفلسفة، حيث قالت: «لم أكن أتوقعه أبداً، لكن من حسن حظّي أنّ الأسئلة المتبقية كانت سهلة وواضحة بالنسبة إلي، وتفتيش جميع الطلاب قبل الدخول إلى القاعات الامتحانية ضروري للتأكّد من عدم حيازتهم أجهزة الخليوي، أو أيّ وسيلة أخرى للغشّ»، وأضافت: «هذا الامتحان هو آخر فرصة لي لأدخل الاختصاص الذي أريده، خاصةً أنني ناجحة وأعيد.
ولدى سؤالنا سوزان (طالبة أيضاً) عمّا إذا كانت قد اعتمدت في دراستها على الملخصات، نفت ذلك، مضيفةً: «لم أندم على ذلك، خاصة بعد إجابتي على أحد أسئلة الامتحان، معتمدة على الكتاب مصدراً وحيداً للمعلومات الصحيحة، فزميلتي أجابت على نفس السؤال ولكن من الملخّص، فاكتشفت بعدها أنّ معلومة الملخّص كانت خاطئة. وأكّدت أنّه ـ رغم التعميم الذي أصدرته وزارة التربية بمنع بيع المكتبات للمصغّرات ـ إلا أنّها رأت الكثير منها في أيدي الطلاب اليوم».
وبالنسبة إلى قاعات الامتحان والتفتيش المتشدّد قال أنس
(طالب بكالوريا ـ علمي): «التفتيش كان عامّاً وعادياً، ولم يؤثّر فينا، إلا أنّ المراقبة كانت سيّئة، وسببت نوعاً من التوتر، فرئيس المركز كان يصرخ باستمرار، والمراقب يقف فوق رؤوسنا ويجعلنا غير قادرين على التركيز ولا على الكتابة».
تعليمات وقائية
وزارة التربية سمحت لرئيس المركز الامتحاني بإجراء تفتيش وقائي للطلبة المتقدّمين إلى امتحان الشهادة الثانوية في اليوم الأول للامتحان داخل حرم المركز، وقبل دخولهم إلى قاعات الامتحان، من خلال لجنة مكلّفة من رؤساء قاعات المركز نفسه، وذلك حرصاً على حسن سير الامتحانات العامة. كما منحت التربية كلَّ رئيس مركز الحقَّ في تكرار حالات التفتيش المذكورة في أيام الامتحانات التالية، إذا وجد مبرراً لذلك، بالتنسيق مع مدير التربية. وبيَّنت تعليمات وزارة التربية أنَّ كلَّ رئيس مركز يعاقب الطالب، الذي يضبط لديه جهاز الهاتف النقال (الخليوي) أو وسيلة غش تقنيّة مماثلة داخل حرم المركز ولجميع الشهادات، وفي أيّ مكان من حرم المركز داخل القاعة أم خارجها، بعقوبة الحرمان دورتين امتحانيتين، وعدم إعادة الجهاز إلى الطالب. وأكّدت التعليمات الموجهة إلى رؤساء المراكز والقاعات الامتحانية والمراقبين، أهمّية المحافظة على حسن سير الامتحانات، وتوفير المناخات الملائمة في المركز، مبيّنة أنَّ كلّ حالة مقصودة، من تقاعس أو إهمال أو تواطؤ تثبت لدى أيِّ مراقب أو رئيس قاعة في أيِّ مركز امتحاني تستدعي المساءلة بحقّه، باعتبار أن هذه الحالات فساد موصوف يستوجب المخالفة المسلكية الشديدة.
¶ التقدّم إلى المفاضلة الجامعية
أمّا فيما يتعلّق بضبط حالات الغش فقد كان الدكتور سعد قد شدّد، خلال اجتماع مع مديري التربية، على موضوع مكافحة حالات الغش داخل المراكز الامتحانية، وعدم التساهل مع هذه الحالات. وأكّد أنّه ستتمّ مصادرة أجهزة الهاتف النقال أو أيّة وسيلة اتصال أخرى تضبط داخل سور المجمّع الامتحاني، ولن تعاد إلى صاحبها، حيث لا يحقّ لأحد إدخال أيّ هاتف خليوي إلى المركز الامتحاني، سوى رئيس المركز، مشيراً إلى أنّه سيتمّ إصدار قرارٍ بهذا الخصوص، وكلّ من يضبط بحوزته جهاز خليوي داخل القاعة الامتحانية يُحرم من التقدّم إلى الامتحان دورتين امتحانيتين. وشدّد وزير التربية على مديري التربية بضرورة الاجتماع مع المراقبين، والتأكيد على تطبيق بلاغات وزارة التربية المتعلقة بالامتحانات، لافتاً إلى ضرورة أن يوفّر المراقب للطالب الجوّ المريح.
¶ الطالب من الناحية النفسية
للوقوف على حالة الطالب النفسية، والضغط الذي يؤرقه أثناء فترة الامتحان، تحدّثت الدكتورة صباح السقا، أستاذة علم النفس في كلية التربية، قائلة: «إنّ القلق الامتحاني حالة نفسية انفعالية يمرّ بها معظم الطلاب المتقدمين إلى الامتحان، وسببها إدراك خاطئ لموقف الامتحان، حيث يدرك الطالب الموقف التقويمي على أنّه موقف تهديدي للشخصية، يكون مصحوباً بتوتر وأفكار خاطئة حول الامتحان كتوقّع الفشل في الامتحان، وسوء الأداء، أو توقع ردود فعل سلبية من الأهل، أو توقع الإصابة بالمرض، وهذه كلها انشغالات فكرية تتداخل مع التركيز، وتؤثّر سلباً على الأداء المعرفي والعقلي للطالب في موقف الامتحان، فيسوء الأداء، والأمثلة على أفكار الطالب الخاطئة كثيرة، فحين يشعر بأنّه نسي معلوماته التي درسها يكون النسيان حالة مؤقتة, فمع عادات الدراسة الجيّدة للطالب ستسجّل المعلومات بشكل صحيح في ذاكرته، ولن تمحى بسهولة.
¶ واجبات الأهل
تشير الدكتورة السقا إلى أنّه من واجب الأهل، حين يتخوّف الطالب من صعوبة الأسئلة، أن يخفّفوا على الطالب بأنّ الأسئلة ستكون شاملة وموضوعية ومتوسطة المستوى، وفي حال كان أحد الأسئلة صعباً فهذا طبيعي ليظهر تميّز الطالب وتفوّقه. أمّا في حال تخوّفه من الوقت غير الكافي، فتقول الدكتورة السقا: يجب أن يوضّح الأهل للطالب أنّ الوقت مدروس، وسيكون كافياً لقراءة الأسئلة أكثر من مرة, فإراحة الطالب وتوعيته قبل الامتحان ضرورية جداً من قبل الأهل. وعلى الأهل أن يهيّئوا أولادهم قبل الامتحان، وأن يعطوهم الثقة بأنّ الامتحان هو موقف عادي كأيّ خبرة، يجب أن يجتازوه بسهولة، ومن الضروري عدم لوم الطالب والإلحاح عليه بالدراسة، وأن يؤمنوا بأنّ لكل طالب قدرة وطاقة معينة، مشيرة إلى أنّ توبيخ الطالب أو مقارنته بغيره من الطلاب من أخطر الأساليب التي تؤذي الطالب وتفقده الثقة بنفسه خاصةً قبل الامتحان.
¶ القلق مهمّ والخوف يحطّم
أوضحت الدكتورة السقّا أنّه من الضروري أن تكون لدى الطالب خلال العام الدراسي درجة سويّة من القلق، فالقلق يعطي الطالب دافعاً قوياً لمزيد من التركيز من أجل تحقيق طموحه، ولكن إذا زاد هذا القلق عن حدّه الطبيعي تصبح لدى الطالب عقبة في الأداء الفعلي للامتحان. فكلّما اقترب موعد الامتحان ازداد شعور الطالب بأعراض جسميّة (ضيق تنفّس - صداع - فرط حركة - ضعف شهية) وفي هذه الحالة لا بدّ من استشارة طبيب، والأفضل أن تتمّ الاستشارة خلال العام، وليس قبل الامتحان بأيام.
بالأرقام
بحسب إحصاءات وزارة التربية هناك زيادة في أعداد الطلاب عن العام الماضي، وزيادة في أعداد المراكز الامتحانية، حيث بلغ عدد الطلاب المسجّلين لجميع الشهادات لهذا العام 751099 طالباً، فيما بلغ عدد الطلاب المسجلين لجميع الشهادات في دورة 2008 /740521/ طالباً، بزيادة قدرها 10578. بلغ عدد المراكز الامتحانية لدورة 2009 /6163/ مركزاً امتحانياً، بزيادة قدرها 258 مركزاً، مقارنة بالعام الماضي، الأمر الذي ساعد في خفض عدد الطلاب الممتحنين في كلّ قاعة امتحانية.
كما تمّ خلال العام الماضي ضبط 875 حالة غشّ في الحسكة، و553 حالة غش في حلب، و342 حالة غش في دمشق، و75 حالة غش في ريف دمشق، و34 حالة غش في القنيطرة، و23 حالة غش في السويداء، و54 حالة غش في حمص، و185 حالة غش في إدلب، و364 حالة غش في دير الزور.
حكاية كل عام .. الفحص !! آه من الفحص..

بلدتا
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية