شكل الفنان ياسر العظمة حالة فنية خاصة، وفريدة أيضا، عبر سلسلة مرايا الشهيرة مقدما من خلالها رؤاه النقدية للمجتمع والسلطة ضمن مساحة الحرية المتاحة، وكثيرا ما استطاع أن يزيد من هذه المساحة مستندا إلى مرويات التراث بما فيها من رمزية طالت أعلى طبقات الحكم.
ومن فكرة مرايا التي احتكر ياسر العظمة بطولتها خرجت فكرة بقعة ضوء التي تميزت ببطولتها الجماعية، ولعلها في الأجزاء الأولى، الأولى فقط، تفوقت على مرايا بالبطولة الجماعية وبالمستوى النقدي المقدم بمقاييس تلك الأيام، وما ساعدها في ذلك أن مرايا كانت قد بدأت تفقد بريقها نسبيا.
الفنان ياسر العظمة، المعروف بالموسوعية الثقافية، يعرف أيضا كما يروي مقربون منه، بأنه يمتلك نفسا معارضا للنظام منذ سنوات ما قبل الثورة، شأنه في ذلك شان الكثير من الفنانين والصحافيين وكتاب السيناريو والمخرجين وآخرين من فئات مجتمعية ومهنية متعددة، منهم من وجد في الثورة ضالته ليعلن بدون مواربة موقفا لم يكن ليستطيع أن يجاهر به قبلها، ومنهم من فاجأ الجميع بتبني مواقف معادية لفكرة الثورة رغم ما عرف عنه، على الأقل ضمن أوساطه الخاصة، من معارضة النظام، ومنهم ذهب أبعد من ذلك ليتحول إلى التشبيح، ويمكن أيضا إضافة صنف آخر وهم الفنانون الذين اعلنوا موقفا مؤيدا للثورة في حده الأدنى، عبر بيان الحليب الشهير، ومن ثم التزموا الصمت.
ياسر العظمة، مثلما أوجد حالة فريدة فنيا، أيضا اتخذ طريقا خاصا في موقفه مما يحصل في سوريا منذ العام 2011، إذ توقفت مرايا في ذلك العام والتزم ياسر العظمة الصمت التام سواء لجهة التصريحات أو لجهة التمثيل وصولا للعام 2013 حين قدم جزءا جديدا صوره في الجزائر وهو كما يرى النقاد ومنهم الزميل الصحفي محمد منصور "بدا حائرا في قول ما يريد قوله في زمن الحرية الذي كان كل فنان أصيل مثله يحلم فيه وبين دفع الثمن الباهظ فيما أعلن تأييده الصريح للثورة فقدم فنا مرتبكا لم يستطيع أن يقدم فيه موقفا حادا وإن بدا مترفعا عن التشبيح لفنانين آخرين".
لاشك أن الزميل لم يتحدث عن الأصالة، التي وسم بها ياسر العظمة، بالمفهوم "العرقي" بل بالمفهوم الفني، ووفق هذا المنطق، ما ينطبق على ياسر العظمة، وهو بلا شك ممثل بارع، يمكن تعميمه على مجموعة لا باس بها من الفنانين السوريين ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر عابد فهد صاحب التهنئة الشهيرة للجيش السوري "المغوار"، ومثله بسام كوسا، بل أيضا دريد لحام الذي يوضع كجملة مقارنة مع ياسر العظمة لإظهار أصالة الأخير، فإن كانت الأصالة الفنية مقياسها التشبيح من عدمه، فليس أفضل منها بكثير وضعية "الصامت" التي انتهجها العظمة.
أخيرا.. ورد في على لسان ياسر العظمة في حلقة من حلقات مرايا التي أنتجت في العام 2013، ولا أعلم بالتحديد إن كانت قبل مجزرة الكيماوي في الغوطة أم بعدها، العبارة التالية.."إذا هبت الريح لا تقعد وتستريح ونحنا لا مع هدول ولا مع هدول..".
يبقى ياسر العظمة من رموز الفني السوري، وإن قال "أنا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء".. فكثر كانوا يأملون فيه أن يكون صوت الذين ظلموا..
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية