رغم أنه من حوران منبتا، فإن تقديسه لحافظ وبشار و"بعثهما" أولى عنده وبما لايقارن من جميع الدماء البريئة التي أريقت على يد جيش نظامه، ورغم أنه يملك السحنة "النمطية" عن البعثيين (النظرة القاسية المنفرة وشبهه بيوسف الأحمد، والخطاب التحريضي الكريه، و..)، ورغم أنه ارتدى البدلة العسكرية كغيره من قيادات الحزب (المدني!)، فإن النظام استغنى عنه قبل نحو عامين وأزاحه عن منصب أمين فرع الحزب بدرعا، وهو المنصب الذي أسدى من خلاله للنظام خدمات لا تقدر بثمن، من خلال تسويقه لما يسمى "المصالحات".
.. ولكن رغم أن النظام أزاحه ورمى به جانبا، فإن "كمال العتمة" مصر حتى هذه اللحظات على "لعب الدور" الذي سبق أن نذر نفسه له، وهو خنق آخر نفس متبق في "حوران الحرية" لصالح إعادة إحياء "درعا الأسدية البعثية".
وفي وقت تشهد محافظة درعا بين حين وآخر تحركات تشي بأن مناهضة النظام متقدة في الصدور كجمر تحت الرماد، ينبري الأمين السابق لفرع حزب البعث هناك ليفرض "عتمته" وعتمة نظام لم يخجل يوما من تنصيب البعث "رباً" قبل أن يجاهر بأن هذه "الربوبية" هي في الحقيقة حكر على حافظ ونسله من بعده.
ويبدو أن المعادلة لدى "العتمة" ومن يشابهه من البعثيين، تقضي بأن يكون الولاء على قدر الانسلاخ، أو العكس، فكلما حارب الشخص محيطه الذي تربى فيه وطالب بسحقه إن "تمرد"، كلما كان ذلك أدعى لإثبات ولائه، وإذا ما البعث وقائده قرروا يوما أن يعزلوا "كمال العتمة"، فلا بأس من تقديم مزيد من التنافس في ساحة الانبطاح بينه وبين خلفه وبن محافظته "حسين الرفاعي"، عسى أن "يحن" قلب القائد ويأمر لخادمه بمنصب جديد.
لقد كان سلوك "العتمة" ضد درعا الحرية وشهدائها الذي سقطوا دفاعا عنها أمرا لا يحتاج إلى أي إثبات، نظرا لكثرة مواقفه وتصريحاته في هذا الشأن بحجة محاربة "العصابات المسلحة"، وعندما حصلت الخيانة التي أسقطت حوران بيد النظام وساهم "العتمة" في رسم مسارها، صب الرجل معظم جهوده في وأد أي مشهد يمكن أن يخدش لوحة "درعا الأسد" كما أرادها بشار ونفذها له أتباعه في المحافظة.
ولذلك لم يكن غريبا أبدا، أن يكون "العتمة" في مقدمة الذين شحذوا مخالبهم وأنيابهم لمهاجمة أي تحرك عسكري أو مدني، يثبت أن حوران ما تزال تنبض بالحرية والكرامة.. مهما صغر هذا التحرك، ومهما استدعى من ردود انتقامية فاجرة على يد النظام، كما جرت العادة، لا بل إن "العتمة" انبرى بنفسه لإرشاد النظام إلى هذه الردود وتحريضه على القيام بها، حتى لو طالت مسقط رأسه مدينة "الصنمين"، في إعادة إنتاج لقصص ونماذج خبرها السوريون عبر عقود، عندما كان يأتي النظام برجل منبت عن مدينته ليصرح أمام الناس مطالبا بتسوية هذه المدينة على رؤوس أصحابها، لأنهم "كفروا" بالبعث وبالأسد، أو يحضر عتلا عاقا لأسرته، ليطلق صرخات الرجاء أن اقتلوا أبي أو أخي الذي جللنا بـ"عار" مناهضة القيادة والتشكيك بـ"مقدسات" الحزب.
فـ"كمال العتمة" ليس له هذه الأيام شغل شاغل أولى من التحريض الصريح، على سحق وقتل كل شخص يريد أن يمس ولو قلامة من ظفر ضابط أو عنصر مخابرات، حتى ولو كان هذا العنصر يعامل الناس ضد نواميس البشرية جمعاء، لأن المطلوب وفق "العتمة" ومن شابهه أن يعود "عاطف نجيب" ابن خالة بشار ليتوعد الرجال ويهين كراماتهم ويشتم أعراضهم ويعتقل أولادهم.. ثم يخرج له الناس له مهللين شاكرين، لا ناقمين ثائرين كما في المرة الأولى.
وفي هذا الصدد يستعجل "العتمة" ما يسميه حسما عسكريا جديدا في عموم درعا، وفي مدينته "الصنمين" خصوصا، إذ لاينبغي أن يتجرأ ابن أنثى على مس المقام العالي، حتى تعود الأمور إلى "نصابها".. نصاب: شكرا لكم أنكم تستبيحوننا، وهنيئا لنا بكم أن تكرمتم ورضيتم باستعبادنا، فأنتم ياسيادة الرئيس ليس من مقامكم أبدا استعباد شعب من شعوب العالم الثالث، بل حقكم على الأقل أن تكونوا سيدا على "عبيد" شعوب العالم الأول والثاني، واعذرونا سيادتكم إن لم يكن بين شعوب العالم قاطبة من يستحق حكمكم، ولكن "الجود من الموجود".
"العتمة" اليوم يتصدر جوقة البعثيين الذين يريدون أن يعيدوا لدرعا "وجهها البعثي الأصيل" حسب ما يقولون، حتى لو أدى ذلك إلى سمل عينيها وجدع أنفها وكي جبينها وقطع أذنيها وخياطة فمها بسلك شائك.. أي حتى لو لم يبق لها من وجه، وعندئذ فقط، تستعيد "وجهها البعثي الأصيل".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية