أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"صراع العروش" وعرش الصراعات.. مزن مرشد*

أرشيف

أتساءل أحياناً، ماذا لو كان ما يحصل في سوريا، مسلسلاً درامياً في أجزاء؟ أما كان سيحصد عدداً من المتابعين والمتعاطفين، أكبر بما لا يقارن عن الأعداد الحقيقية المهتمة به اليوم؟


ثمانية مواسم حتى الآن وما يزال العرض مستمراً، في تطور درامي للأحداث، لم يشهد التاريخ لها مثيلا، وما يزال عدد المهتمين بالشأن السوري والمتابعين له والمتعاطفين معه، أقل بكثير مما يجب أن يكون، أمام هول ما تتعرض له الإنسانية بكل جوانبها، وبشكل يومي في مدننا السورية.


ثماني سنوات ولم تغب مشاهد الموت والدماء والأشلاء والحرب في سوريا، عن الشاشات العربية والعالمية أيضاً، وما يزال هناك الكثير من المتلقين العرب والغربيين غير معنيين بالقضية السورية، ولا بحجم الضحايا، ولا بما يحصل على أرض الواقع، وأحياناً كثيرة نلتقي بأشخاص لا يعرفون حتى اليوم، أين تقع سوريا على الخريطة.


بالمقابل تماماً، يصل المسلسل الأشهر بتاريخ التلفزة العالمية "صراع العروش" هذا العام إلى موسمه الثامن، فقد ولد هذا العمل المبدع بجميع المقاييس، مع ولادة الثورة السورية، فهو لا يصغرها إلا بشهر واحد فقط، إذ عرضت الحلقة الأولى من موسمه الأول في السابع عشر من نيسان إبريل عام 2011.


ثمانية مواسم مليئة بالأحداث الدموية، وأهوال الحرب أيضاً، وأشلاء أبطاله غير العصيين عن الموت، ولكن بفارق بسيط للغاية عن الحرب السورية، فمشاهد القتل والعنف صنعت بخدع سينمائية حرفية، ونفذت بدقة بالغة بحيث لم يتأذّ منها أي شخص من طاقم العمل، ومع ذلك وجدت الملايين ممن بكى بحرقة عليها، وأطلق التغريدات مستنكراً لها، داعياً الكاتب للرأفة بأبطالٍ أحبوهم، وبالطبع هذا مثال بسيط جداً، عما فعله معجبو المسلسل من أجل أبطالهم فيه.


ثمانية مواسم من المسلسل الشهير حصد خلاله وبحسب الإحصائيات ما يقارب المليار متابع على مدى سنوات العرض، وبلغت مشاهدات الحلقة الأولى فقط من الموسم الثامن والتي عرضت في الرابع عشر من شهر نيسان / أبريل 2019، حوالي 30 مليون مشاهدة، من دون حساب عدد قرصنة الحلقة ومشاهدتها مجاناً -ونحن منهم -.


حربان عمراهما ثماني سنوات، إحداهما أبطالها من لحم ودم، يدفعون أرواحهم وأشلاء أبنائهم ثمناً لمشاهد حقيقية تعرض في خبر عاجل قد يمر عليه المشاهدون مرور الكرام، وحرب أخرى نفذت بخدع سينمائية استحوذت على اهتمام العالم أجمع، ما حدا بالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن يطلب من الشركة المنتجة أن تمنحه حق مشاهدة الجزء السابع من العمل قبل عرضه رسمياً بأشهر مع تعهده بعدم تسريب أي من أحداثه.
يعرض اليوم الجزء الثامن والأخير من سلسة كتب "أغنية من ثلج ونار" وما يعرف درامياً بمسلسل "صراع العروش"، ويدخل مسلسل الإبادة السورية عامه عامه التاسع ولا نعرف بعد إلى أي جزء سيصل، مع خسارة المزيد من المشاهدين والمتابعين، والمتعاطفين موسماً بعد آخر.


هل كان مسلسل حربنا ضعيفاً درامياً كي لا يجد هذا النجاح في لفت الانتباه إليه، أم أن السر يكمن في جهة الإنتاج؟


أُوكل إنتاج "صراع العروش" لشركة منتجة واحدة، استطاعت أن تصنع من النص أسطورة تُدرس في عالم الدراما والتسويق والترويج معاً، ليتربع العمل على عرش المسلسلات الأكثر مشاهدة عبر التاريخ.


في حين كان للثورة السورية والحرب فيما بعد ألف شركة إنتاج، كل شركة لها رعاة، وممولون، كلٌ يحاول أن يسحب لحاف هذه الثورة اليتيمة باتجاهه، وكلٌ يروج لها بما يخدم مصالحه وأهدافه، كثُر المتدخلون، وكثُر المنتجون، عملوا جاهدين على أن تخسر الثورة أنقى صفاتها، وألا يتطاير شررها إلى دولهم الآمنة، كُرمى لعيون أمان الجارة الأغلى.


ما أخشاه حقيقية أن نموت جميعاً ويستمر مسلسل حربنا على أرض الواقع لمواسم كثيرة قادمة مع نسبة مشاهدة معدومة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(175)    هل أعجبتك المقالة (189)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي