أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الخطاب الثاني... حسين الزعبي*

بشار الأسد

قد يكون خطاب بشار الأسد بالأمس هو الثاني من نوعه الذي يلقيه ورسالته الأهم موجهة للداخل، بعد الخطاب الذي ألقاه أمام ‏جمع من "المشايخ" حين لقنهم درسا عن التاريخ الأموي، أما بقية الخطابات فكانت رسائلها الأهم موجهة للخارج بعمومه ‏وللغرب بشكل خاص بما يخدم مصلحة استمراره وربما وصوله إلى هذه المرحلة.‏

بمعزل عن النكات التي تناولت الخطاب وتركيزها على جوقة المصفقين، ولا جديد في ذلك، فهذا هو الحال منذ الخطاب الأول ‏له "خطاب الضحكات البلهاء" في آذار 2011، وبطبيعة الحال منذ ما قبل ذلك. بعيدا عن هذا يمكن ملاحظة اللهجة الحادة ‏التي وجهها لمن خرج عبر وسائل التواصل الاجتماعي متذمرا من سوء الأوضاع المعيشية، وهذه اللهجة لمن يعرف حقيقة ‏الوضع السوري تترجم أمنيا بالضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الانتقاد، وأعتقد أنه بعد هذا الخطاب لن نرى ‏تكرارا للنماذج "المنتقدة" التي طفت على سطح وسائل التواصل في الداخل، فالرسالة وصلتهم، ويعلمون أن التمييز بين ‏‏"حسن النية" و"سيء النية" التي لطّف بها بشار لهجته مجرد ذر للرماد في العيون، وما إشارته لما أسماه فوضى وسائل ‏التواصل واختراقها واستخدامها "لزعزعة" استقراره إلا مؤشر واضح إلى أن ما من هامش مسموح به لأي تعبير خارج عن ‏السياق، فما هو مطلوب ليس الصمت، بل التأييد المطلق لأي حالة يرضى عنها، ضمن قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا، وهذه ‏كانت رسالته الأولى في خطابه الأول.. "خطاب الضحكات البلهاء".‏

وربما يأتي ذلك في سياق تجهيز الداخل لأزمات معيشية جديدة، قد تزداد حدتها بفعل العقوبات الأخيرة التي أعلنتها الولايات ‏المتحدة فضلا عن العقوبات المفروضة على إيران، وبالتالي عليه أن يلوح بالعصا لكل من تسول نفسه "التأفف" مستقبلا، ‏وهذا ما هو مهم بالنسبة له على اعتبار أن الغرب أمريكيا وأوروبيا يبدو أنه أعطاه فرصة البقاء في الحكم فترة أطول مع ‏الإبقاء على حالة العزل وشبه الحصار، ريثما يتم التوصل إلى تسوية بتوافق دولي يطوي الملف السوري برمته.‏

لا جديد في بقية المحاور الأخرى التي تناولها في حديثه، بل جاءت في سياقها المنطقي، فهو لا يريد فضلا عن أنه لا يملك ‏القرار، التعاطي مع المعارضة بغير المنطق الذي استخدمه، ففي الوقت الذي يصف المعارضة، كل المعارضة، بالمرتزقة، ‏ويكيل لها الشتائم، يعلم أن دولا كبرى وإقليمية على وشك إنجاز اللجنة الدستورية ومهمتها إنجاز أو إصلاح "الدستور ‏السوري" وثلث هذه اللجنة هي من الذين وصفهم بالخيانة والارتزاق وغيرها من الكلمات القبيحة.‏

أما الجزء المتعلق بالأتراك، والرئيس اردوغان، فاستهدافه، كلاميا، من قبل بشار الأسد لا يزعج الروس، ولا يغضب ‏الأمريكان، ولا يهز تركيا، بل لعله أعطى إشارة واضحة بأن تركيا ما زالت تقف مع المعارضة وربما مع الثورة السورية.‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(180)    هل أعجبتك المقالة (200)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي