شكلت بطولة كأس آسيا الأخيرة التي استضافتها الإمارات العربية المتحدة وفازت بها قطر حالة تستحق الدراسة في أكثر من جانب، فقطر لم تفز كروياً فحسب، وهو بلا شك فوز مستحق وبجدارة وبأرقام غير مسبوقة، بل أيضا استحقت اللقب، إعلاميا، وبالضربة القاضية وهذه المرة ليس بـ"منتخبها" الأول "قناة الجزيرة" بل بمنتخبها "الرديف" إن جازت لنا التسمية.
وإن كنت لا أملك إحصاءات دقيقة عن عدد المشاهدين، إلا أنه يمكن ملاحظة الكم الكبير من المتابعين العرب لقناة "الكأس" القطرية الرياضية ومعرفاتها على وسائل التواصل الاجتماعي من يوتيوب وغيره، ليس لأنها تمتلك إمكانيات أكثر من غيرها على الضفة المنافسة، بل ولأسباب غير رياضية لم يتح لها أن تغطي البطولة كما يجب، ولكنها استطاعت أن تدخل قلوب وعقول مشاهديها عبر اللغة الراقية، والمهنية، ويمكن القول أيضا "اللغة المؤدبة" التي استخدمتها في تغطية الحدث الرياضي الأهم آسيويا، بعيداً عن الخصام الخليجي السياسي.
وهذا ما لم نجده في القنوات الرياضية الأخرى، التي حرص مقدمو برامجها الخاصة ببطولة آسيا على تحويل برامجهم لمنصات للردح والطرح غير المنطقي ولا حتى الرياضي، ففي الوقت الذي كانت تستهدف فيه اللاعبين القطريين بشكل شخصي، واضعة الضيوف الذين يفترض أنهم أتوا لتقديم رؤيتهم الفنية عن المباريات في مواقف محرجة لا يحسدون عليها، كانت قناة "الكاس" تستضيف خبراء اللعبة لتحليل المباريات بحيادية واضحة لاسيما مباريات منتخبي السعودية والإمارات، ليس حبا في الإمارات ولا في السعودية، ولكن لأنها تعرف كيف ومن أين "تؤكل الكتف" إعلاميا، من خلال احترام قواعد المهنة وأهمها احترام عقل المتلقي والتعامل معه على أنه ليس ذكيا فحسب، بل فائق الذكاء، لاسيما في هذا العصر الذي لم يعد فيه للخطاب المباشر واللغة المباشرة الفجة أي تأثير، مثلما لم يعد الكذب ينطلي على أحد ناهيك عن الكذب البواح، فالمعلومة لم تعد حكرا على جهة ومتوفرة بيد الصغير والكبير.
وفي هذا السياق من المناسب الإشارة إلى أن اللغة الإعلامية الفجة والمباشرة والكذب المكشوف التي انتهجها النظام في بداية الأزمة، عبر شخصيات لبنانية مشبعة بالأمراض والأحقاد الطائفية، فضلا عن الكركوزات من المحللين السياسيين السوريين، كانت بمثابة البنزين الذي أشعل نيران الحدث السوري أكثر فأكثر وصولا إلى ما نحن فيه.
في الجانب الآخر من المأساة السورية، لم تكن الأمور بأحسن حالاتها، إذ وقع إعلام المعارضة في فخ "المصطلحات" والتوصيفات العامة التي أراد من خلالها استدرار التعاطف، لكنه في حقيقة الأمر كان يبتعد شيئا فشيئا عن الحالة المهنية وهي بمثابة بطاقة المرور التي لا يمكن الوصول إلى الآخر من دونها.
*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية