أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عصيان سجن صيدنايا، سرٌ احتفظ النظام السوري بتلافيفه منذ عام 2008حتى الآن، فكل ماعلم به السوريون، اقتصر على بيان مقتضب صدر من وكالة سانا الرسمية، جاء فيه:"قام بعض المساجين المحكومين بقضايا إرهاب، وقضايا إسلامية متشددة، بالهجوم على إحدى الدوريات التي تقوم بتفتيش روتيني للسجن، وقتلوا عدداً من السجناء المحكومين بتهم غير إسلامية، وقد سيطرت إدراة السجن على حالة التمرد، وأعادت الأمور إلى طبيعتها". لتبقى الأسباب والفاعلون وعدد شهداء العصيان في أقبية المخابرات السرية، لأن فتحها قد "يوهن نفسية الأمة" التي يرسمها النظام لنفسه. وبحسب شهادات المعتقلين استمر العصيان تسعة أشهر،عاش فيها كل معتقل ظروفاً وأحداثاً اختلفت تفاصيلها وفق المهجع والمجموعة المتواجد معها، وفي محاولة لكشف ماوقع في سجن صيدنايا في 2008، تنقلت "زمان الوصل" مع المعتقل السياسي دياب سرية بين أجنحة ومهاجع سجن صيدنايا، لنتعرف من خلال شهادته عما وقع، عندما ثار السجناء معلنين تمردهم، على أن يتم نشر الأحداث في سلسلة متتابعة، ستكون بدايتها جولة تعريفية بمبنى السجن وتاريخه، ليسهل شرح وقائع العصيان.. فريق "زمان الوصل" أعد "مصوراً" تقريبياً لأحد طوابق السجن بحسب شهادة "الناجي الوحيد" اضغط هنا سجن أم مشفى للأمراض السارية؟ يتفق معظم سكان صيدنايا على رواية موحدة حول تاريخ إقامة السجن في بلدتهم، وتقول الرواية إن الجهات الرسمية صادرت بين عامي 1978-1979، أراضٍ واسعة من مالكيها الحقيقيين، تزيد مساحتها عن 1500 دونم، ولأن الملاك لم يُعوّضوا بثمن أراضيهم، رفعوا دعاوى استملاك على الدولة، استمرت حتى فترة التسعينات، حيث أعطت الجهات المسؤولة تعويضاً للملاك المصادرة أراضيهم، تم احتسابه وفق الأسعار التي كانت سائدة في السبيعنات، رغم أنه دُفع في التسعينات. ويحسب بعض أهالي صيدنايا، انتشرت شائعات مفادها أن الأراضي المصادرة ستخصص لبناء مشفى للأمراض السارية، كونها تقع في سهل صيدنايا بين نهاية تل منين وبداية تلفيتا، وهي منطقة مشهورة بهوائها المنعش المفيد للأمراض السارية، كسل وغيره. بدأت إدراة المنشآت العسكرية، ببناء سجن صيدنايا، في عام 1981، انتهى العمل في أواخر 1985، وتسلمته الشرطة العسكرية بشكل نهائي عام 1987. مبنى مثير للجدل لا يُستغرب من المعتقلين، حفظهم لمقاسات وشكل المكان الذي تختزل فيه حياتهم، فالسجن بيتهم الذي يحفظونه عن ظهر قلب رغم كرههم له، وكأنهم بهذا التوثيق ينتقمون من السجان.. وبحسب المعتقل السابق، دياب سرية، يتكون سجن صيدنايا من ثلاث كتل مستطيلة منفصلة عن بعضها، ومتصلة بنقطة إلتقاء تسمى بالمسدس، نظراً لشكلها، إضافة لمبنى إدارة ملاصق للسجن، وهو عبارة عن ثلاثة طوابق إضافة للطابق الأرضي. في منتصف المسدس، يوجد برج معدني للمراقبة، يكون فيه حارس هو الوحيد المسلح في السجن. تتواجد الكتل الثلاث(أ، ب، ج) وكل كتلة مقسومة طولانياً بجدار، إلى جناحين يمين، و يسار. طول كل جناح 80 متراً، وهو مكون من عشر غرف، عرض كل واحدة منها حوالي 5.5م، وعمقها 4.75 م، وارتفاعها حوالي 3.75م. يوجد في كل غرفة حمام ومغسلة ومرحاض، وتشترك الغرف المتلاصقة بمنور للتهوية. يستوعب كل مهجع عشرين معتقلاً، وعادة ما يترواح عدد السجناء بين 8-20 في كل مهجع، يُفرزون حسب انتماءاتهم، وبشكل خاص يُعزل معتقلو التيارات الإسلامية عن الباقين. يفصل بين الغرف والممر شبك حديدي، ويمتاز الممر بوجود نوافذ. يوجد في قبو السجن، مطعم وحمامات غير مستخدمة، أسفل القبو تحت الكتلة (أ)يوجد زنازين معتمة، لا يصلها النور أبداً، قضى فيها كثيرون دون أن يعلم بهم أحد، لأن أصواتهم يُحال أن تصل إلى أحد. المكان الفاصل بين الغرفة 1 في كل الأجنحة وبين المسدس تسمى بالصفر، وبعد الغرفة 10، يوجد مساحة واسعة، تسمى بـ 11 تستخدم لعدة أغراض منها تنظيم ورشات عمل للمعتقلين، ووضع في الـ 11 خلال فترات السجن الذهبية مكتبة، و تُقام فيها دورات لتعليم لعبة الشطرنج، وكذلك يمارس المعتقلون نشاطات الحفر والرسم إضافة لنشاطات أخرى. الشيوعيون والإخوان يدشنون السجن أثناء فترة اعتقال سرية، التقى بالعديد من المعتقلين الأوائل، الذين أُنزلوا السجن منذ بداية افتتاحه، ومن خلالهم تعرّف سرية أن السجن كان مخصصاً في الفترة الأولى لتأسيسه للمساجين السياسين، وأن أول من دخله، معتقلو رابطة العمل الشيوعي وبعض قيادات الإخوان المسلمين، في إيلول 1987، ومن ثم توسعت اختصاصات السجن وضم القضايا التي تمس أمن الدولة، بالإضافة للمعتقلين العشوائيين الذين لم تحدد قضيتهم. حتى أواسط التسعينات كان يوجد في السجن معتقلون من الشيوعيين (مكتب سياسي- رابطة العمل الشيوعي- المنظمة الشيوعية العربية)، ومعتقلون من البعث الديمقراطي (جماعة صلاح جديد) حسب وصف إدراة السجن لهم، إضافة لمعتلقي حزب البعث الموالين للعراق (الجناح اليميني)، إخوان مسلمون، فلسطينيون (فتح أبو عمار- جبهة التحرير الفلسيطينة)، لبنانيون (كتائب- قوات لبنانية- حزب التوحيد الإسلامي- قضايا التعامل مع إسرائيل)،أكراد (حزب العمال الكردستاني pkk). معظم المعتلقين في تلك الفترة، إما لم يخضعوا لمحاكمة، أو حوكموا أمام محاكم ميدانية، التي هي بالأصل غير معترف بها حتى من قبل النظام نفسه، باستثناء البعض ممن عُرضوا على محكمة أمن الدولة العليا، بعض المعتقلين مازال حتى الآن بلا محاكمة، ومنهم أبطال سلسلة (منسيون في الجحيم)، التي نشرتها "زمان الوصل". وبحسب المعتقلين، أدار السجن محي الدين محمد منذ عام 1987 حتى 2003، واتصفت إدارته طوال هذه الفترة بالجمود، إذ لم يدخل إلى حياة المعتقلين أي تغيير خلال تلك السنوات، إذ لم يكن من حق السجين سوى 4 بطانيات وملعقة بلاستيك يحصل عليها من ابتسم له الحظ، كما أن السجن كان في حالة يرثى لها، لأن تمديدات الماء والكهرباء لم تكن في كامل جهوزيتها، فكل مهجع ينار بمصباح واحد فقط رغم اتساع حجمه، وكان يجبر المساجين على تعبئة المياه بالأواني، وكانت الزيارات ممنوعة بشكل كامل، بأمر من الأمن. وفي فترة التسعينات، حصلت بعض الاستثناءات في حياة المعتقلين الرتيبة، حيث تمكن بعض المعتقلين الشيوعيين، على مدى عدة سنوات من إدخال 4000 كتاب قيّم، معتمدين على الرشوة والوسائط. ويتذكر سرية من المعتقلين الشيوعين في تلك الفترة الكاتب عماد شيحة، الدكتور عبد العزيز الخير، والمحامي أكرم البني، والناشط الشاعرفرج بيرقدار..,غيرهم إضافة لمعتقلي الإخوان الذين لايتسع المكان لذكرهم جميعاً. ومن الروايات الموثقة، وفاة المعتقل إحسان عزو من رابطة العمل الشيوعي، إثر نوبة قلبية في الزنازين الموجودة في القبو المعتم عام 87، ولم تصل نداءات الإغاثات التي أطلقها هو وزملاؤه، لنجدته من العتمة القاتلة. سجناء تدمر يحلمون بصيدنايا بالرغم من اقتصار الحياة في صيدنايا على أربع بطانيات وملعقة، فإن معتقلي السجن كانوا محل حسد معتقلي سجن تدمر،والسبب وفق مارواه المعتقلون الذين تم نقلهم في العام 2000إلى صيدنايا، أن التعذيب ليس ممنهجاً، ولذلك كان هذا السجن حلماً بالنسبة لهم. ومن القصص المؤلمة التي رواها المعتقلون لسرية، أنه بعد خروج بعض سجناء تدمر من المشفى ممن كان الأمن يريد إبقاءهم أحياءً، كان يتم إرسالهم إلى سجن صيدنايا لقضاء فترة النقاهة الصحية هناك، ولذلك عُرف سجن صيدنايا بالمنتجع عند سجناء تدمر. إصلاحات للسرقة في آواخر 2004 استلم لؤي يوسف إدارة سجن صيدنايا، وبدأ في 2005 بتطبيق إصلاحات عمرانية في السجن، يقول سرية: الإصلاحات لم تكن حباً بالمساجين، إنما رغبة بفتح باب جديد للنهب والسرقة". ومن إصلاحات يوسف أيضاً، أنه سمح بالتلفزيون والراديو والصحف اليومية، وسمح بالزيارات، وأتاح للمساجين شراء احتياجاتهم... وهذه الإصلاحات كانت تهدف حسب سرية إلى تنفيس غضب المساجين، وإظهار بشار الأسد بصورة الرئيس المتسامح. وفي هذه الفترة كان عدد المعتقلين قد تناقص كثيراً، لأن بشار الأسد أطلق سراح أعداداً كبيرة من معتلقي الرأي اللذين سجنهم والده، ليبدأ بزج معتقليه. بضاعتهم رُدّت إليهم ووفق ما تمكن سرية من توثيقه من معلومات، فإن آخر دفعة أخلي سبيلها من مساجين حافظ أسد، كانت في عام 2005، وآخر معتقل خرج في تلك الفترة كان الدكتور عبد العزيز الخيّر عضو هيئة التنسيق، الذي هو قيد الاعتقال حالياً، بقي في صيدنايا مساجين قضايا التعامل مع الخارج وهي قضايا ملفقة كعادة النظامـ إضافة للموقوفين عرفياً وقضايا متفرقة. ويؤكد سرية، أنه من عام 2003 إلى 2006 بدأت تدخل نوعية جديدة من المساجين، هم غالباً من السلفيين الذين جاهدوا في العراق، الذين سبق للنظام أن شجعهم ونسق دخولهم عبر الحدود السورية. وبطلب من المساجين قام يوسف بفصل التهم عن بعضها، حيث جُمع الأخوان في جناح، ومعتقلو حزب التحرير في جناح، وكان يوجد جناح خاص بالسلفين عُرف بجناح القاعدة، وجناح للمتفرقات يضم شيوعيين، وتهم الثرثرة (أي شتم الرئيس)، ولكن تم جمعهم بسبب أعمال الترميم، في نفس الأجنحة. ويروي المعتلقون لسرية، أن يوسف جاء بسياسة انفتاحية جديدة تعتمد على لقائه بالمساجين بشكل دوري، على عكس محي الدين محمد الذي لم يتعرف عليه المساجين أبداً. انفتاح على الفتنة اعتاد يوسف على لقاء المساجين في المهاجع ، بهدف السماع لطلباتهم، وبنفس الوقت كان يرمي الفتن بينهم بطريقة غير مباشرة، فكان يمدح الإسلاميين في جناح القاعدة، ويقول لهم: أنتم تخافون الله، في حين أن متهمي التجسس بعيدون عن الدين، ويكرهون الاسلام..وكذلك يقول لتهم التجسس: إن جماعة القاعدة يتحضرون لذبحكم.. ويؤكد المعتقلون، أن يوسف كان يمارس بشكل شخصي مهمة نشر الفتن بين المساجين، معتمداً على أن المهاجع منفصلة عن بعضها، مما أثار الكره والبغض بين المعتلقين عندما تم جمعهم. فقد جُمع المساجين، بطريقة استفزازية، فعلى سبيل المثال وضع السلفيين في مهجع التجسس عوضاً عن وضعهم مع الإخوان المسلمين، حتى أن بعضهم اقترح على يوسف قضاء مدة الجمع في المنفردة عوضاً عن البقاء مع غير الإسلاميين. وبحسب سرية، ترسم إدارة السجن سياساتها، بناءً على تقارير المخبرين في داخل المهجع، وتقوم إدارة السجن برفع تقارير يومية عن حالة السجن، للأفرع الأمنية. كما أن بعض الأفرع يرسل توصيات خاصة بطريقة تعامل مع السجناء حسب قضياهم وملابساتها. والجدير بالذكر أنه قبل سماح لؤي يوسف بشراء التلفزيونات، كان يوجد تلفزيون واحد فقط لكل جناح يسميه المعتقلون تلفزيون الحكومة، وهو يبات كل يوم في مهجع، وفي الصباح يوضع في الـ11. وننوه أنَّ المعلومات المذكورة آنفاً، وردت في شهادة لجمعية حقوق الإنسان في سورية HRAS.
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي