دفعت ظروف الحرب واللجوء الكاتبة والروائية السورية "حنين بوظو" إلى العمل في مجال بعيد عن اهتماماتها، فافتتحت مع زوجها "عمار حريب" منذ أشهر مطعماً وسط العاصمة السودانية "الخرطوم" أطلقا عليه اسم "حكايتنا"، وأرادا له أن يكون مشروعاً ثقافياً أكثر من كونه مكاناً يقدم الطعام، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال أرجاء المطعم المزدانة بلمسات شامية وسودانية، كما تزدان أرجاء المطعم بمشغولات يدوية ومجسمات منمنمة وأعمال خشبية أزياء تقليدية مبدعة ولوحات فنية وغيرها في محاولة لخلق عالم جديد يواكب العصر ويعبر عن تراث القارة السمراء بكل ما يحمله من إبداع وأصالة.
تنتمي "حنين بوظو" إلى عائلة دمشقية من أكراد دمشق ونشأت ضمن بيئة سياسية ومثقفة، وقرأت الشعر العربي الجاهلي، ولم تكن قد تجاوزت التاسعة من عمرها ورغم أن علاماتها في الثانوية كانت تؤهلها لدخول الجامعة، ولكنها درست الفنون النسوية وتخرجت بعد عامين، وخلال تلك الفترة التهمت كما تقول لـ"زمان الوصل" كل ما وقع تحت يدها من كتب، حتى أن المحيطين بها كانوا يلقبونها بـ"جرادة الكتب".
ولم تتخيل الدمشقية "حنين" أنها ستكون كاتبة تملأ صورها أغلفة الصحف والمجلات خارج بلدها وكانت -كما تروي- تمتلك محلات لبيع ألبسة الأطفال في دمشق، إضافة إلى ورشة صغيرة لتعليم الفتيات حرفة الأوبيسون (التطريز الفلسطيني) وهي حرفة تكاد تنقرض.
بعد أن حل شبح الحرب خسرت "حنين" وزوجها بيتهما ومحلاتهما، فاضطرا للسفر إلى اسطنبول، ومنها إلى دبي حيث يقيم زوجها، وبعد فترة من مكوثها في دبي رفضت السلطات الإماراتية تجديد إقامتها فكانت وجهتها الأولى إلى ماليزيا لكنها فضلت الذهاب إلى السودان، لأنه البلد الوحيد الذي يمكن للسوري دخوله دون فيزا، وخاصة بعد أن حاولا الحصول على فيزا لتركيا حيث يقيم أهلها ولم تفلح محاولاتها، فأقامت في السودان، وقررت افتتاح مطعم سياحي بعد الحصول على إقامة مستثمر.
ولفتت محدثتنا إلى أن غايتها من إنشاء المطعم لم تكن ربحية بل تحويل جزء منه لمنتدى ثقافي يُعنى بالقراءة والفنون من خلال معارض تقيمها بشكل دوري ومجاناً نظراً لظروف الناس الصعبة في السودان.
بحثت "حنين" في بداية التأسيس لمشروعها عن كادر منظم وذي خبرة في المطاعم بالإضافة للشيف، ولكن محاولاتها باءت بالفشل -كما تقول- فارتأت أن تتحول بذاتها لشيف كي لا تضطر لإغلاق المطعم بعد أن أخذ منها الكثير من المال والجهد واختارت لائحة طعام من طبخها الشامي الذي برعت فيه قبل اللجوء -حسب قولها-مضيفة أن المطعم لاقى إقبالاً كبيراً من السوريين والسودانيين وحتى من قبل الأجانب والسفارات والوفود وغيرهم.
ورغم أن المشروع أخذ حنين" من عائلتها وقلمها دون أن تشعر وحمّلها فوق طاقتها ما بين إدارة المطعم والمطبخ وإدارة العمال والمعارض إلا أنها سعيدة به وتشعر بأنه كان بمثابة هدية بسيطة للسودان الذي أحبت ناسه وأحبوها ووقفوا إلى جانبها.
وعن سعيها لإضفاء طابع ثقافي على مشروع "حكايتنا" أبانت مديرة المشروع أن الشعب السوداني شعب قارئ ومثقف جداً ويمتلك آفاقاً واسعة من الفكر وهذا –حسب قولها- ما شدهم إلى المشروع، مضيفة أن الفكرة بدأت بتأسيس مكتبة صغيرة داخل المطعم وصودف وجود شبان وفتيات جامعيين كانوا يتناولون الغداء فدفعهم الفضول لتصوير المطعم وفوجئوا بوجود ركن لمكتبة فيه وكانت ردود أفعالهم إيجابية للغاية ومن حينها –كما تقول- أدركت ما معنى أن تُنشئ في السودان مكتبة مهما كانت متواضعة، ما دفعها للاهتمام بالفكرة أكثر، وإتاحة المجال لتبادل الكتب ومناقشتها بعد الانتهاء من قراءتها، وهكذا تطور المشروع من كتاب إلى لقاءات ومن ثم إلى معارض.
وحول ما يشغلها على المستوى الإبداعي وهل هناك أعمال روائية قادمة بعد مجموعتها "حبة بندق" وروايتها "نعش دمشق" المؤمل توقيعها بعد أسبوع أشارت "حنين" إلى أن الظروف الحاصلة في البلدان العربية هو ما يشغلها ويؤرق تفكيرها. وتابعت أن الكاتب أينما توجه لابد أن تعترضه مشاكل من نوع ما وإن لم تعترضه تراه هو قد بدأ بالبحث عمن يوجع الناس وعما يؤلمهم وكأنه خلق ليتعذب لا ليكتب فقط.
وتابعت أنها تحاول الكتابة عن الحب فتجد قلمها يجرها غصباً إلى مساحة المنفيين حتى في دواخلهم، فتجد أن الكتابة تخذلها حين تعجز عن تحنيط مشاعر متقدة لتقدمها على الورق.
وختمت الكاتبة الدمشقية أن عملها الروائي القادم عن اليهود في دمشق وإبداعاتهم الحرفية التي كان لها دور كبير في نهضة البلاد الاقتصادية.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية