مرة، ظن الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك أن بشار الأسد صاحب مشروع إصلاحي، ورأى بالوريث أملاً لسوريا، فمنحه عام 2001 وسام جوقة الشرف من مرتبة الصليب الأكبر، أي أرفع رتبة بالوسام وأعلى تكريم تمنحه فرنسا.
بيد أن الحكومة الفرنسية ولما رأت كيف ترجّم الأسد الإصلاحات على الأرض وكيف خابت ظنونها ب"الأمل" سحبت في نيسان الفائت الوسام من رئيس النظام السوري، بعد اعتراضات واحتجاجات، ربما كانت أبرزها، رسالة البروفيسور المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط، جان بيير فيليو التي تقدم بها إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طالبًا منه سحب وسام جوقة الشرف من الأسد "لم يعد هناك شك في أن منح بشار الأسد ذلك الوسام كان عملاً مخزياً، بالنظر إلى سلوكه المخل بالشرف، ولا بد من محاكمته على جرائمه أمام المحكمة الدولية".
تجتاجني خديعة فرنسا بالوريث الشاب مذ التقى وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة رئيس دبلوماسية الأسد ، وليد المعلم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر الفائت نيويورك، ويتعزز الاجتياح تباعاً، بعد زيارة رئيس السودان لدمشق وبدء تهافت "العربان" على عرين الأسد، ليعيدوا فتح السفارات ويعززوا التميل الدبلوماسي بعد قطيعة شكلية، استمرت سبع سنوات.
وأسأل نفسي، هل سيأتي يوم يشعر خلاله "بنو عدنان وقحطان" ما شعر به الفرنسيون ويخرج من بين ظهرانيهم من يقول كما جان بيير فيليو، أن مصير الأسد لاهاي وليس جامعة الدول العربية .. لكني سرعان ما أشعر بسذاجة السؤال، ليس لأن "الطيور على أشكالها تقع" فحسب، بل ولأن الأسد ناب عن هؤلاء الحكام بقمع شعوبهم، بل وأسدى لهم خدمة الديمومة والبقاء على كراسي الحكم..إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
إذ وبعد أن قتل الأسد وعوّق زهاء مليون سوري، وهجر نصف السكان وهدم سبع مدن، صار المصير واضحاً لكل من تسوّل له نفسه من الشعوب العربية، ويطالب بالحرية والكرامة وتداول السلطة، فهل أكبر من هذا الجميل الذي قدمه نظام دمشق للأنظمة العربية ليكافئوه عليه بعودة العلاقات...هذا إن كانت قد قطعت أصلاً ببعض الدول والممالك، إذ ليس سراً، أن الإمارات العربية المتحدة، استقبلت آل الأسد وأموالهم مذ لاحت ثورة السوريين، بل وقدمت كل ما يثّبت حكم الأسد، وبمقدمتها، حرف ثورة الكرامة بسوريا عن سكتها، عبر دعم وتمويل التطرف والإشراف على "الضفادع" عبر مال سياسي ومنظمات وهيئات وجدت لأدوار وظيفية قذرة، بلبوس الإغاثة والتعليم ومساعدة اللاجئين.
قصارى القول: ما أشبه اليوم بالأمس، بعد مجازر الأسد الأب بحماة وتدمر وحلب وإدلب في مطلع ثمانينيات القرن الفائت، وقمعه بالطائرات والمدافع حركة الإخوان المسلمين، عاد حكام العرب ليباركوا انتصارات حافظ الأسد، فدعموه مالياً وسوقوه دولياً، بل وتقاطروا حينذاك للحج لدمشق الصمود والتصدي، وكذا اليوم، وبعد تآمر العالم على ثورة السوريين وملامح هزيمتها عسكرياً وسياسياً، عاد أبناء هؤلاء الحكام ليباركوا نصر ابن حافظ الأسد، بل وتعلن المملكة السعودية عن قيادتها عملية إعادة الإعمار وعدم ممانعتها لعودة نظام الأسد ممثلاً لسوريا بحظيرة العرب المسماة جامعة.
بيد أنه، لا مفاجأة في كل هذي المفاجآت التي لم تترك للسوريين، مرحلياً على الأقل، بارقة أمل بدولة ديمقراطية يكونوا فيها مواطنين لا رعايا، لأن من رأى بعقله لا بعواطفه، سلوك العرب وغاياتهم خلال ادعاءاتهم بدعم الثورة، يعرف يقيناً أنهم ساهموا بقتلها لا بوصولها للانتصار، ببساطة لأنهم الأعلم بعقابيل نصرها التي لن تترك تافهاً منهم على كرسي أبيه.
نهاية القول: بعيداً عن التحليل المنطقي والعميق لهرولة العرب نحو الأسد، والذي أبسط -التحليل- يقول إن الإمارات وسواها لا تنطق عن الهوى، ولا بعيداً عن رأي وإملاء واشنطن التي تسعى لتشكيل حلف مناوئ لتركيا وإيران وإن شكلانياً، لاستدامة الحروب بمنطقة يراد لها الغرق بالديكتاتورية والتخلف. نقول: مبارك عودة العرب إلى عرين الأسد وعودة الأسد المتوقعة لحظيرة العرب، والعزاء لشعوب المنطقة بمقتل حلم انتظره عقوداً، وعلى الأرجح، إن تم الاجهاز على ثورة السوريين، سينتظرون عقوداً جديدة .. وربما قرونا ليحققوا أحلامهم بدول تحترم الإنسان وتنظر له على أنه مواطن له الحق بالتفكير وإبداء الرأي والوصول إلى السلطة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية