تعيش مناطق عدّة في الشمال السوري المحرر في هذه الأيام، على وقع الأنباء التي تفيد بقرب إعلان "تركيا" عن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد مواقع الأحزاب الكردية الانفصالية المتمركزة في أنحاء متفرقة من شرق "الفرات"، وذلك بمشاركة عددٍ من فصائل المقاومة المنضوية ضمن "الجيش الوطني".
وتزامنت الخطوة التركية مع تغييرات غير متوقعة فيما يخص المشهد السوري، لا سيما ما يتعلق منها بالقرار المفاجئ الذي صدّر مؤخراً عن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بسحب كامل القوات الأمريكية من الأراضي السورية من جهة، وقيام وسائل الإعلام الموالية للنظام اليوم "الجمعة" بالترويج لدخول قوات النظام إلى منطقة "منبج" من جهة ثانية.
ونفى الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الرائد "يوسف حمود"، صحة الأنباء التي تتحدث عن دخول أي من عناصر النظام إلى مدينة "منبج"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "ما حصل هو مسرحية هزلية تمثلت بدخول أحد ضباط جيش النظام برفقة قيادي من حزب (PKK)، للقاء قياديين أكراد في منطقة "الصوامع"، حيث تمّ تصوير الواقعة بعد رفع علم النظام هناك".
وأكدّ "حمود" في تصريح خاص لـ"زمان الوصل"، على أن فصائل المقاومة عازمة على دخول "منبج"، كما أن قوات النظام ما تزال في مراكزها السابقة في كلٍ من قريتي "العريمي" وما حولها، غرب "منبج" 12 كيلومتر، و"التايهة" إلى الجنوب من مدينة "منبج" بحوالي16 كيلو متر.
شرق الفرات أولوية تركية
في حديث خاص مع "زمان الوصل" قال الباحث في مركز "الشرق للسياسات" سعد الشارع، إن تركيا تسعى من وراء عمليتها العسكرية المرتقبة شرق الفرات إلى إبعاد الأحزاب الكردية المصنفة لديها على قائمة الإرهاب، عن الشريط الحدودي مع سوريا- نحو 800 كيلو متر- ويمتد من أطراف ريف (اللاذقية) الشمالي وحتى مدينة "عفرين"، مروراً بجميع مدن أرياف (حلب، الرقة، الحسكة)، ووصولاً إلى بلدة (عين ديوار) الواقعة على المثلث "السوري- العراقي.
وأضاف: "تخشى تركيا بالفعل من حدوث وصل جغرافي بين مناطق سيطرة (قوات سوريا الديمقراطية) لاسيما في ريف الحسكة وجيوب حزب (العمال الكردستاني) داخل الأراضي التركية، لذلك فهي تهدف في عمليتها القادمة إلى إخلاء شرق الفرات، من أي تواجد للأحزاب الكردية، وقد قطعت شوطاً كبيراً في المجال السياسي - على الأقل- لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة دخول تركيا إلى هذه المنطقة".
ووفقاً لما أشار إليه "الشارع" فإن الحديث الآن ربما يجري عن تكتيك العمليات العسكرية وما بعدها في إدارة وحوكمة منطقة شرق الفرات، لكن يبدو أن هناك بعض النقاط لم يتم حسمها حتى اللحظة، وخاصة مسألة العمق الذي ستسيطر عليه تركيا، ويتراوح حسب المعطيات بين (30 - 40 كيلومترا)، على أن يغطي كامل الشريط الحدودي مع سوريا.
ونوّه إلى أن سيطرة تركيا على بلدات (رأس العين، القامشلي) في ريف الحسكة، ذات الأغلبية الكردية، يعني أنها ذاهبة أكثر نحو العمق العربي، وبالتالي تتخلص من أي مخاوف لديها تجاه الجماعات والأحزاب الكردية، ليس في مثلث الجزيرة السورية (الحسكة، الرقة) فحسب، وإنما في الضفة الشرقية من نهر الفرات الواقعة في محافظة دير الزور.
دوافع الانسحاب الأمريكي
يرى "سعد الشارع" أن الانسحاب الأمريكي نابع من تغير العقلية السياسية لأمريكا، بما يتيح لها الانسحاب من القضايا الجزئية التي تكون في بلد واحد لتتفرغ لقضايا أكبر، وكذلك إنشاء أقطاب إقليمية تحت إدارة أمريكية، بالإضافة إلى أن عقلية الرئيس الأمريكي تقوم وفق منظور اقتصادي بحت، وربما يكون فضّل الانسحاب لعدم تحقيق مكاسب اقتصادية مثل ما تحقق سابقاً في العراق.
وحول من سيخلف الولايات المتحدة في منطقة شرق "الفرات"، أوضح "الشارع" أن (تركيا، وروسيا) هما أبرز المرشحين، وقد نشهد حلاً يقوم على الاقتسام الجغرافي بين الطرفين، أو بمعنى آخر تسيطر تركيا بمساندتها لفصائل "المقاومة" على الشريط الحدودي، بينما تتمكن "روسيا" أيضاً من العبور من منطقة غرب "الفرات" إلى شرقه، لأن لديها أهدافاً معلنة بالسيطرة على الموارد الاقتصادية الكبيرة فيها مثل: (حقل العمر) النفطي ومعمل غاز (كونيكو)، فضلاً عن كونها تتسلح بإمكانية التفاوض مع "قوات سوريا الديمقراطية" التي أرسلت مندوبين عنها إلى دمشق لإجراء تفاهمات ومفاوضات مع النظام السوري.
من جانبٍ آخر لا يمكن لأحد أن يغفل حقيقة وجود مصالح دولية تتحكم بتطورات المشهد العسكري/السياسي على الأرض السورية، وهنا أوضح "محمد البياتي"، محامٍ مهجّر من الغوطة الشرقية يقطن في مدينة "الباب"، أن الانسحاب الأمريكي لا يبدو خالياً من أي أجندات مستقبلية قد تنفجر بين لحظة وأخرى، وربما يأتي هذا الانسحاب بداية لسياسة أمريكية جديدة في "الشرق الأوسط"، تهدف إلى إعادة خلط الأوراق على أرض الواقع.
وأضاف لـ"زمان الوصل" قائلاً: "يضع الانسحاب الأمريكي منطقة شرق الفرات أمام احتمالين: الأول حدوث خلاف (روسي- تركي) بشأن مستقبل المناطق التي ستنسحب منها، علماً أن الروس بدؤوا ينادون بضرورة عودة تلك الأراضي إلى سلطة النظام السوري، والثاني ربما يكون مقدّمة لخلق حالة من الفراغ من شأنها إتاحة الفرصة لعودة ظهور تنظيم الدولة مجدداً في المنطقة".
الأكراد أمام خيارات محدودة
من شأن العملية العسكرية التركية -حسب البياتي- عودة الاستقرار إلى مدن وبلدات الشمال السوري، كما أنها تضع الأكراد أمام خيارين: إما الدخول في مواجهة خاسرة مع تركيا، أو عودة المنطقة إلى سلطة النظام وروسيا، فالأكراد باتوا في موقف لا يحسدون عليه بعد تخلي الحليف الأمريكي عنهم، واضطرارهم إلى التباحث مع النظام من أجل دخول قواته إلى مناطقهم، وهو ما لا تعارضه تركيا. حسب تعبيره.
تلقى عملية شرق "الفرات" ترحيباً كبيراً بين المدنيين في الشمال السوري المحرر، لأن تركيا قادرة على إدارتها جيداً حال دخول قواتها إليها، وهو ما قامت به سابقاً، في منطقتي (درع الفرات، غصن الزيتون)، إذ انعكست المشاريع الطبية والتعليمية والخدمية التي تنفذّها الحكومة (التركية)، بشكلٍ إيجابي على الحياة العامة لقاطنيها الأصليين والمهجّرين على حدٍ سواء، كما أنها كانت عاملاً رئيسياً وراء رغبة الكثير منهم باتخاذ قراري العودة أو الاستقرار في المنطقة.
خالد محمد - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية