أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التهديد المستمر بسحب المبادرة العربية، طَيّبْ، ما البديل؟! ... رشيد شاهين

حيث ان العنوان قد يوحي للبعض بأننا نشعر بالحزن أو الأسى واللوعة فيما لو تم سحب المبادرة العربية، أو أننا نعتقد بأن هذه المبادرة هي التي ستكون بمثابة المخلص للعرب قادة وشعوبا من الحالية المزرية التي وصل إليها حال الأمة، فانه لا بد من التأكيد على أن هذا الأمر ليس في البال أبدا، واننا لن نذرف الدمع على المبادرة، كما أننا على أي حال نعتقد بأنها لا تنم سوى عن حالة من الانحدار وصلت إليها الأمة، وأنها تعبير صارخ عن عجز عربي مطبق غير قادر على أي فعل قد يرتقي بالأمة التي من الواضح أنها أدمنت حالة الانكسار التي أصبحت لازمة لها وانه أصبح من الصعب عليها أن تعيش إلا كذلك.
منذ تم طرح المبادرة العربية للسلام قبل سنوات سبع، لم ينفك القادة العرب بشكل عام والأمين العام للجامعة العربية بشكل خاص عن التهديد بسحب هذه المبادرة، وأن هذا العرض العربي السخي للسلام لن يبق أمام العالم والجانب الإسرائيلي إلى ما لا نهاية، وقد كان آخر ما قيل حول سحب المبادرة العربية من التداول وأنها لن تبقى إلى الأبد هو في قمة الدوحة التي انفضت بتقديرنا وغيرنا دون نتائج مهمة تذكر.
التصريحات بهذا الشكل والتي من خلالها يحاول من يحاول أن يظهر نوعا من "العنتريات" موجها خطابه إلى الشارع العربي في الإجمال من اجل امتصاص حالة الغضب السائدة في هذا الشارع على حالة الخنوع والمهانة التي يعيشها النظام العربي الرسمي، -هذه الحالة التي امتدت لسنوات طويلة أطول من عمر المبادرة العربية- لم تعد تنطلي على احد، كما أن هذه التهديدات أصبحت محل تندر واستخفاف في هذا الشارع الذي يدرك بفطرته أن كل ما يقال في هذا الصدد ليس سوى جعجعة فارغة وغير مقنع وان ليس لدى العرب ما هو أكثر من ذلك.
الاستمرار بعرض مبادرة السلام العربية للعام السابع على التوالي والاستمرار في التهديد بسحبها افرغ أي تهديد عربي من جديته ومن إمكانية تطبيقه، ولعل الجميع يتذكر بأنه ما ان تم الإعلان عن المبادرة حتى أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه ارئيل شارون تصريحاته التي استهتر من خلالها بما صدر واعتبر أن المبادرة لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
من الواضح أن هذا الاستهتار الإسرائيلي والغربي وعدم التعامل بجدية مع موضوع المبادرة العربية لم يأت هكذا ببساطة، أو لان ليس هناك ما يبرر ذلك، حيث من الواضح أيضا أن العالم لم يعد يأخذ أي تصريحات عربية أو تهديدات على محمل الجد، ذلك لان لهذا العالم تجربته الطويلة مع قادة الأنظمة العربية الذين يقولون في السر ما لا يقولون في العلن، وهم الذين لديهم الاستعداد الكافي لمعاداة بعضهم البعض بشكل علني وواضح وبدون لبس أو تردد فيما هم يهادنون أعداء الأمة ويروجون لهم ويفتحون قلوبهم وأذرعهم وبلدانهم لكل أفاق لئيم قادم من الغرب "المتمدن" الاستعماري ومن دولة العدوان فيما توصد الأبواب أمام "الأشقاء" وترتفع وتيرة العداء بسبب وبدونه.
إن مجرد طرح المبادرة العربية بهذا الشكل لم يكن أبدا كاف، حيث أن المبادرة طرحت عارية من أي عنصر إسناد، ولا نعتقد بأنه يمكن فعل ذلك - إسنادها بعناصر قوة- الآن وبعد سنوات طويلة من طرحها، وما التهديد بسحبها سوى النتيجة الطبيعية لهذا الوضع العربي الهزيل والمنقسم على نفسه، وأي حديث الآن أو في المستقبل عن إسناد المبادرة العربية بعناصر القوة من قبل الدول العربية من اجل توفير النجاح والقبول لها من الغرب وإسرائيل يبقى كلاما في الهواء وتمويه وضحك على الذات، ولا يمكن تحقيقه، ذلك لان أي محاولة لتسليح المبادرة بأي أدوات إضافية أصبح غير مقنع خاصة وان العمل العربي الجماعي انتهى مع انتهاء حرب العام 1973 والتي يختلف العرب حتى على تسميتها.
طرح المبادرة بتقديرنا كان يجب أن يتضمن مجموعة او سلسلة من الخطوات التصعيدية المتدرجة، وعندما نقول التصعيدية فهذا لا يعني أبدا أننا نطالب الأمة بسن سيوفها في نهاية المطاف وشن الحرب على دولة الاحتلال، لأننا نعلم علم اليقين أن لا سيوف لدى الأمة، وان توفر شيء منها فهو من اجل قمع الشعوب العربية المغلوب على أمرها ليس إلا، أو أن هذه السيوف تشحذ من اجل حماية المصالح الغربية، أو من اجل التحالف مع قوات تلك الدول والاصطفاف معها في خندق واحد ضد أي من الأشقاء العرب كما حصل في الحالة العراقية عام 1990-1991.
ما نقصده هنا هو أن يتم التلويح بخطوات ممكنة التطبيق وغير عصية على قادة الأمة ابتداء من تقليص التمثيل الدبلوماسي على سبيل المثال في الدول المساندة لإسرائيل ولإسرائيل نفسها وفي العواصم العربية لهذه الدول، وانتهاء بقطع العلاقات مع دولة الاحتلال لتلك التي ترتبط بعلاقات واتفاقيات معها وغير ذلك من الخطوات الاقتصادية والدبلوماسية، بالإضافة إلى تحديد جداول زمنية من اجل تنفيذ كل خطوة من تلك الخطوات، وذلك حتى إذا ما تم تنفيذ الخطوة الأولى والثانية بشكل حقيقي وبحسب ما هو محدد شعر الغرب بجدية تعامل الدول العربية مع ما تقول وتعلن وأقرنته بالفعل.
من الملاحظ في ظل المواقف العربية المتخاذلة هو أن دولة الاحتلال أصبحت لا تهتم لهذه "الأمة " وان هذه الأمة غير قادرة على الفعل، وان ما يقال ليس له أي صدى إلا في عقل من يطلق أقواله، ومن هنا فهي تمارس ما تمارس على الأرض الفلسطينية والعربية بشكل عام دون أن تحسب حساب لما يقال، فهي تسير في مخططاتها في الأراضي المحتلة بما فيها مدينة القدس كما أنها تحاصر قطاع غزة بشكل فيه الكثير من التحدي للعالم وليس فقط "للعربان" بعد أن أوسعته تدميرا وهي لا تتردد في استعمال ذراعها الطويلة في تدمير لمنشاة في لسوريا وقصف لقافلة في السودان وقبل ذلك حرب على لبنان لأنها تعلم أن هذه امة بلا حول ولا قوة.
التهديد بسحب المبادرة جيد لكنه لا يشكل الكثير من الرعب في القلوب الإسرائيلية، لكن السؤال هو ماذا يعني لو أن العرب سحبوا المبادرة؟ وما هو البديل المتاح لديهم وكيف سيفعلون وما هي خططهم وما هي خطوتهم القادمة؟ أسئلة لا بد من الإجابة عليها، وقبل أن اختم أود أن اذكر بما قاله الفاشي ليبرمان خلال حفل تنصيبه في موقعه كرئيس للدبلوماسية الإسرائيلية " من يريد السلام عليه الاستعداد لحرب" ترى ما هي استعدادات امة العربان لأي من الاحتمالين؟
6-4-2009

(95)    هل أعجبتك المقالة (96)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي