في تشرين الأول أكتوبر/2012 تداول ناشطون شريط فيديو للصحفي الأمريكي "أوستن تايس" الذي فقد في ظروف غامضة في سوريا.
وأظهر الشريط الذي تبلغ مدته 47 ثانية سيارتين إحداهما مركب عليها رشاش قرب هضبة عالية في منطقة أحراش غير واضحة المعالم، وبدا الصحفي الأمريكي أوستن 31 سنة معصوب العينين ثم يبدو عدد من الأشخاص الملثمين وهم يدفعون الصحفي بعنف أمامهم ويصعدون تلة عالية ثم يبدو الصحفي المخطوف في مشهد تالٍ معصوب العينين وهو يلهث ويخاطب خاطفيه بنبرة استرحام، وتداولت وسائل إعلام النظام الفيديو والخبر، مدعية أن "جبهة النصرة" والجيش الحر اختطفا الصحفي الذي "يعمل ضابطاً في المارينز"، حسب قولها، وهي المعلومة التي لم يبحْ بها "أوستن" سوى لمدرس لغة انكليزية استضافه في يبرود قبل اختطافه بأسبوعين فكيف عرفت مخابرات النظام بعمل "تايس" السابق لو لم تكن هي من اعتقلته وحققت معه.
وروى الناشط "أ.ع" المدرس في إحدى ثانويات يبرود بأن "تايس" الذي كان يعمل كصحفي حر لصحيفة "واشنطن بوست" ووكالة الصحافة الفرنسية، و"ماكلاتشي نيوز" و"سي بي إس" دخل إلى سوريا عن طريق تركيا لتغطية الحرب والثورة السورية، وبقي لفترة في إدلب، وحينها -كما يقول محدثنا- سمع بتحرير مدينة "يبرود" من قوات النظام وبإشاعات لأذناب النظام تدعي أنها باتت إمارة إسلامية وأن المسيحيين مضطهدون فيها.
وأضاف محدثنا أن "تايس" تواصل عن طريق أحد النشطاء بابنه الذي كان يدير تنسيقية "يبرود"، وتمكن من الوصول إلى "قارة"، وهناك تم اصطحابه عبر الطرقات الجبلية الوعرة جداً والخطرة والبعيدة عن أعين النظام إلى يبرود ليكون باستضافته بحكم أنه مدرس لغة انكليزية ويسهل التواصل معه.
ومضى محدثنا راوياً جوانب من حياة الصحفي الأمريكي في "يبرود"، حيث كان طوال أكثر من أسبوعين واحداً من أفراد أسرته، وكان الهدف من استضافته -حسب قوله- الحرص على نقل الصورة الحقيقية للثورة السورية للإعلام الأمريكي وتصحيح الصورة المغلوطة التي تداولها الإعلام الغربي آنذاك من أن "يبرود" تحولت إلى "إمارة إسلامية ومأوى للقاعدة".
وأردف محدثنا أنه اصطحب "تايس" في جولة على المدينة حيث لمس نشاطاتها المدنية من مجلس محلي ومحكمة مدنية، وكيف كانت فصائل الجيش الحر آنذاك مرتهنة لهذه المحكمة وواقع التعليم المختلط بين الذكور والإناث مسيحيين ومسلمين.
وزار العديد من المساجد والكنائس، ولمس حالة الإخاء الديني الذي تعيشه "يبرود". وكتب ثمانية تقارير صحفية لصحيفته "واشنطن بوست" دوّن فيها مشاهداته وفي إحداها نشر بالمانشيت العريض "يبرود واحة سلام في جحيم الحرب"، مشيراً إلى أن هذه المدينة تمثل الصورة الناصعة للثورة السورية بكل جوانبها الحضارية.
وتابع محدثنا أن الصحفي المغيّب غطى المظاهرات السلمية والفعاليات الثورية بكل أريحية ووصف كيف يصلي اليبروديون صلاة الفجر في ساحة رأس الشارع الرئيسي بأعداد تفوق 4000 شخص رغم الخطر وقصف قوات النظام الذي طال إحدى الكنائس وقام بتصوير لحظة القصف ونقل الصورة الحقيقية.
خلال أكثر من أسبوعين من مكوثه في "يبرود" بين شهري تموز وآب 2012، قابل الصحفي الأمريكي العديد من الفعاليات ووجوه يبرود ومن بينهم شقيقة عرّاب صفقات النفط بين النظام وتنظيم الدولة "جورج حسواني"، وفوجئ بكونها تعيش بأمان في بيئة ثورية دون أن يقترب أحد منها أو يزعجها.
وكشف المصدر أن "تايس" أُعجب بإحدى بناتها وعبّر عن رغبته بأن يخطبها بعد أن تنتهي الحرب، كما تمكّن من تكوين صداقات حميمة مع أهالي يبرود من مسيحيين وإسلام وكان الكل يدعونه إلى بيوتهم.
وروى محدثنا أنه سأل "تايس" في إحدى جلساتهما عن موقف الحكومة الأمريكية التي تدعم حرية وثورات الشعوب وصمتها أمام استهداف النظام السوري للشعب بمختلف أنواع الاسلحة، وتابع أن جليسه ضحك آنذاك ضحكة طويلة وقال إن قرار الولايات المتحدة الأمريكية ليس بيدها بل بيد "إسرائيل" التي لن تجد حامياً لحدودها أفضل من نظام الأسد، وهذا الكلام -حسب المصدر- موثق ضمن إحدى المقابلات معه التي ستنشر فيما بعد.
في آب أغسطس/2012 سمع "تايس" أن أهالي "داريا" انتفضوا ضد النظام وقرر الذهاب إلى هناك، وحاول محدثنا -كما يقول- أن يثنيه عن هذا القرار لوجود خطر على حياته، والخوف من أن يكون النظام اخترق بعض الأشخاص في الثورة أو وضع كمائن ولكنه أصر على الذهاب.
وروى "أ.ع" أنه مع عائلته ودعوا "تايس" بكل حرقة وتأثر وتم إيصاله إلى مدينة "التل" ومن هناك دخل إلى "داريا".
وأردف: "بعد ثلاثة أيام أظهرت إذاعة شام إف إم المؤيدة للنظام على شريطها الإخباري خبراً يقول إن الثوار وجبهة النصرة اختطفوا الصحفي الأمريكي تايس وتم إخراج فيديو عبارة عن تمثيلية مكشوفة لمجموعة مسلحين بالزي الإسلامي وهم يدفعون تايس المكبل أمامهم بعنف بعد أن أنزلوه من سيارة "جيب".
وأشار الخبر الملفق إلى أنه من خلال التحقيق مع "تايس" تبين أنه برتبة نقيب في المارينز الأمريكي رغم أنه لم يصرح بهذه المعلومة إلا لمستضيفه بالذات.
وتابع محدثنا أن النظام لو لم يكن قد احتجز "تايس" وحقق معه فكيف سيعلم بأنه ضابط أمريكي سابق؟ ومنذ ذلك الحين انقطعت أخبار "تايس" ولم يعرف مكان احتجازه أو مصيره.
وكانت شبكة "CBS News" قد ذكرت في شهر تشرين الثاني نوفمبر/2012 أن السلطات الامريكية تعتقد بأن "تايس" موجود لدى النظام السوري، ومما عزز هذه النظرية الشريط المسجل الذي ظهر على "يوتيوب" في تشرين الأول أكتوبر/2012 والذي كان يهدف لتوجيه الاتهام للقاعدة، ونشرته إحدى الصفحات التابعة للنظام.
ورصدت السلطات الفيدرالية الأمريكية في نيسان أبريل الماضي مليون دولار مكافأة مقابل معلومات من شأنها السماح بتعقب أثر الصحفي "أوستن تايس"، بحسب ما نشرته وكالة "فرانس برس" وأعلنته كذلك أسرة الصحفي عبر موقع العائلة الإلكتروني للتعريف به.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية