أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ملك الملوك إمام المسلمين والبشير وقضايا في الدوحة ... رشيد شاهين

مرة أخرى وكما هي عادته في الكثير من قمم أمة "العربان" استطاع العقيد معمر القذافي أن يخطف الأضواء من جديد وذلك بما أحدثته مداخلته والعبارات التي أطلقها خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر والتي كادت أن تتسبب في أزمة خاصة وان المضيف القطري لم يتمكن برغم كل المحاولات من إيقاف الرئيس الليبي عن الاستمرار في قول ما يريد.

العبارات التي أطلقها العقيد القذافي كانت تحمل في طياتها أكثر من تفسير وتسببت في الكثير من الإرباك وخاصة للمضيف القطري كما أنها اتسمت بالغموض بحيث استعصى على الكثير من المراقبين فهم ما الذي أراد الرجل قوله - خلال فترة انقطاع البث لفترة وجيزة عن ميكروفون القذافي- وهل يمكن اعتبار وتصنيف ما قاله العقيد القذافي من قبيل الإساءة ورد الاعتبار أم انه دعوة للمصالحة - عفا الله عما ما مضى- خاصة وان ذات العبارات كان الملك السعودي قد استعملها قبل ستة أعوام فهمت في حينه على انها محاولة للإساءة إلى القذافي، العقيد تميز في موقفه عن باقي القادة عندما طالب بعدم شخصنة الامور واظهر استعدادا لزيارة الرياض كما توجه بدعوة للملك عبد الله بزيارة طرابلس.

القذافي الذي أكد على انه قائد أممي وعميد الحكام العرب وملك ملوك إفريقيا وإمام المسلمين قال ما أراد أن يقوله، وهو لم يكتف بذلك فقط، لا بل هو غادر قاعة المؤتمر وهذا ما ساعد على زيادة الإرباك، وقد تناقضت الروايات حول الوجهة التي يمم تجاهها الرئيس الليبي حيث قالت إحداها ان الرجل توجه إلى المطار فيما قالت أخرى انه توجه إلى المتحف القطري القريب كما زار سوقا في المدينة على أي حال بغض النظر عن الوجهة التي اتجه إليها العقيد القذافي فهو بعد ذلك عاد إلى حيث القمة من جديد.

ربما كان ما أحدثه الرئيس الليبي وكل هذه الجلبة هو ما سبب كثير الاهتمام من قبل الشارع العربي الذي لم يراهن على انعقاد القمة لأنه أصبح يتمتع بالخبرة الكافية ويعلم تماما علو السقف الذي يمكن أن ترتقي إليه قرارات القمم العربية والتي عجزت على مدار سنوات عمر الجامعة العربية من اتخاذ القرارات المناسبة التي يمكن تفعيلها باتجاه المصلحة العربية.

لقد غطى "حدث القذافي" على حضور الرئيس السوداني عمر البشير الذي كان واضحا انه إنما يأتي إلى قمة الدوحة في محاولة - بائسة- منه لإظهار تحديه لقرار المحكمة الدولية الداعي إلى اعتقاله، وهو يعلم أن قطر لن تقوم بتسليمه إلى أي جهة دولية كما ان محاولته إظهار تحديه للقرارات الدولية قد لا تكون موفقة لأنه يطير في أجواء عربية، ولا نعتقد بان أي من القوى الدولية سوف تجند أسطولا من الطائرات الحربية من اجل السيطرة على طائرته بهدف اعتقاله، ونعتقد بان الرئيس البشير لن يقوم بمغامرة مماثلة من خلال التوجه إلى دولة خارج المنطقة العربية لأنه يعلم أن الثمن قد يكون باهظا.

الرئيس البشير الذي يبدو انه أراد أن يستنجد بقادة "العربان" نسي أن هؤلاء ليس لديهم القدرة على الفعل، كما انه نسي انه كان لم يزل في موقع الرئاسة عندما لم يفعل لا هو ولا غيره من قادة "العربان" أي شيء من اجل زميل لهم هو صدام حسين الذي علق ليلة الأضحى على حبل المشنقة، وهو يعلم أيضا ان قادة "العربان" الذين أراد أن يستنجد بهم عجزوا عن القيام بأي فعل عندما كان زميلا لهم آخر هو ياسر عرفات محاصر بمقره في المقاطعة بمدينة رام الله، لا بل هم لم يتمكنوا من أن يحصلوا على ضمانة أ مجرد وعد من أجل عودته إلى الأراضي الفلسطينية فيما لو غادرها لحضور قمة بيروت.

غياب الرئيس حسني مبارك عن القمة العربية لم يكن بذات الوقع أو الأثر الذي اعتقده الرجل عندما اتخذ قراره بالمقاطعة، فقد كان غيابا باهتا لم يلفت الانتباه حيث سارت القمة - عمليا- بشكل طبيعي - إذا ما استثنينا موضوع الرئيس الليبي-، وبرغم قناعتنا بان حضور السيد مبارك لم يكن ليقدم أو يؤخر الكثير، إلا أننا كنا نتمنى أن يحضر الرئيس المصري وان يتسامى عن الصغائر خاصة وان الموضوع يتعلق بمناقشة قضايا لها علاقة بأمة "العربان" وليس بخلافات بينه وبين أي كان من القادة الذين حضروا المؤتمر، إلا أن من الواضح أن الزعماء العرب لا زال تعاملهم مع مصائر شعوبهم وقضايا أمتهم بغض النظر عن أهميتها بطريقة بعيدة عن الشعور بمواقعهم وما يمثلون كقادة لهذه الأمة.

نعتقد بأنه كان على قادة "العربان" أن يتوجهوا بالشكر والعرفان إلى العقيد القذافي الذي شغل الدنيا وصرف الأنظار عما يمكن أن يصدر عن القمة من قرارات، تلك القرارات التي كانت باهتة هزيلة مكررة وغير فعالة، وهي قرارات اقرب إلى رفع العتب منها إلى أي شيء آخر، فلقد كان إعلان الدوحة ليس سوى ديباجة مكررة عن كل ما صدر من قمم سابقة، وامتلأ بالعبارات التقليدية التي حفظها المواطن العربي عن ظهر قلب لكثرة ما تكررت - نرحب، نعرب، نؤكد، ندين، نستنكر، نشجب، نطالب، نشيد، ندعو، إلى آخر الاسطوانة المشروخة-

لم يكن موضوع الرئيس البشير هو الموضوع الوحيد الذي لم يبتعد فيه الزعماء العرب عن العبارات اللفظية التي تعبر عن "تضامنها" معه، فلقد واجه الملف الفلسطيني بكل ما فيه من تعقيدات كان ذات الزعماء احد أسبابها وبالتالي ما سينتج عنها المصير ذاته، ولم يصدر عن القمة العربية ما يثلج قلوب الثكالى والأرامل والأيتام والمدمرة بيوتهم، وهكذا هو الأمر بالنسبة إلى باقي الملفات التي تم نقاشها في المؤتمر والتي كانت بحسب ما نرى ملفات فيها من التعقيد بحيث لا يمكن فهم كيف أن هذه الملفات تمت مناقشتها بشكل عميق خلال جلسات لم تدم سوى لساعات معدودة.

باختصار شديد وبدون لف أو دوران وبدون مواربة فان قمة الدوحة وبرغم كل ما قيل عما يمكن ان تقدمه في ظل واقع عربي مشتت إلا أنها لم تكن سوى ترسيخا للفجوة العميقة الموجودة بين الشعوب العربية والقادة العرب، ومن الغريب أن قادة امة "العربان" لا يعرفون ما الذي يدور في أذهان شعوبهم أو انهم يعلمون لكنهم يمعنون في تجاهل رغبات هذه الشعوب وهذا لن يكون أبدا لا في صالح الشعوب ولا في من يقودهم.

31-3-2009

(107)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي