أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إدارة أوباما ورأب الصدع بين ضفتي الأطلسي ... هشام منور

على الرغم من كون أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية حليفين استراتيجيين تاريخياً، إلا أن فترة الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة (بوش الابن) كانت قد شهدت تباعداً سياسياً وصل إلى مرحلة التوتر على صعيد عدد من الملفات الساخنة، وبالذات ملف الشرق الأوسط إثر أحداث الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، والتي سببت انقساماً حتى داخل البيت الأوروبي نفسه، وتباعداً بين ضفتي الأطلسي.
والحال أن الخلاف بين الرؤيتين الأمريكية والأوروبية إذا كانت قد تبلورت على صعيد الموقف من قضايا الشرق الأوسط، فإنها تعود في جوهرها إلى اختلاف استراتيجية الطرفين في نشر الديمقراطية ودعم الإصلاح في الشرق الأوسط، وهو ما حاول الباحثان (تمارا كوفمان) و(ريتشارد يانغز) توضيحه في دراستهما: «أوروبا والولايات المتحدة وديمقراطية الشرق الأوسط: رأب الصدع». الصادرة عن مركز (سابان) لسياسة الشرق الأوسط بمعهد (بروكينغز).
تشير الدراسة إلى أهمية تقريب ورأب الصدع بين الرؤيتين الأمريكية والأوروبية والتي حدث تباعد بينهما فيما يخص قضايا الشرق الأوسط، ففيما تقوم الرؤية الأوروبية على أساس أن الأوروبيين هم الأدرى بشعوب المنطقة من الأمريكيين بالنظر إلى تاريخهم الاستعماري في الشرق الأوسط، وتصف الرؤية الأمريكية بالسذاجة، تقوم الاستراتيجية الأمريكية على أساس التغيير التدريجي الرافض للإجراءات العقابية وتفضيل مبدأ الحوافز بدلاً من تبني لهجة خطابية حادة، مع التأكيد على شذوذ سياسة الإدارة الأمريكية السابقة عن النهج الأمريكي.
وبالرغم من إعلان الولايات المتحدة وأوروبا التزامهما بدعم الديمقراطية العربية باعتبارها دعامة أساسية لضمان أمن الدول الغربية، إلا أن هذه الالتزام سرعان ما تلاشى إثر فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في يناير 2006، ليعود الطرفان لسياستهما القديمة القاضية بدعم أنظمة "الحكم الاستبدادية" في العالم العربي مع إبداء قدر من الاهتمام بالحوار مع الجماعات الإسلامية المعارضة.
وتذكر الدراسة أن الإدارة الأمريكية السابقة قد وجهت انتقادات حادة للأنظمة العربية في فيما يخص الديمقراطية، كما أنها اتخذت قضية الديمقراطية في بعض الأحيان ذريعة لتبرير عزل الحكومات "غير الصديقة" أو الموالية لها. وأضحت ميل السياسة الأمريكية في ذلك الوقت إلى استخدام لغة التهديد والوعيد مقارنة بأوروبا التي قدمت الحوافز الاقتصادية والسياسية لتحقيق إنجازات محددة على صعيد الديمقراطية والحرية. فأطلقت إدارة بوش مبادرة "الشرق الأوسط الكبير" عام 2004، إلا أنها قوبلت بعدد من الاعتراضات الأوروبية التي اعتبرت أن واشنطن تسعى لاستغلال الوجود والخبرة الأوروبية في المنطقة لصالحها لانتزاع السيطرة على القضية والاستئثار بها. كما رفضت الحكومات الأوروبية استبعاد الحكومات العربية أو المجتمعات المدنية من المشاورات عند وضع بنود المبادرة، ليتغير اسم المبادرة بعد ذلك إلى مبادرة الشرق الأوسط الأوسع وشمال إفريقيا، بعد تشاور الأوروبيين مع الحكومات العربية، واستبعاد باكستان وأفغانستان من النطاق الجغرافي للمبادرة، وربط جهود الإصلاح بإحراز تقدم على صعيد الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
وفيما بلغت الميزانية الأمريكية المخصصة للتعامل مع ملفات الشرق الأوسط منذ عام 2002م أكثر من 534 مليون دولار، بالإضافة إلى 370 مليون دولار إجمالي ميزانيات مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمال بوزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لا تزال المشروعات الأوروبية لنشر الديمقراطية والإصلاح تعاني من ضعف التمويل، وتعدّ المنطقة العربية أكثر المناطق ضعفًا للتمويل على الأجندة الأوروبية، خاصة في مجال الدعم السياسي.
وتوضح الدراسة أن إدارة بوش قد اقتنعت بعد ذلك، بشكل جزئي، بجدوى السياسة الأوروبية القائمة على ربط الحوافز الاقتصادية بالأهداف السياسية، واستغلال شبكات التعاون والتنمية في دعوتها لنشر الديمقراطية، وهو ما تجسد في إعلان برشلونة والذي تطور إلى الاتحاد من أجل المتوسط، فبدا ذلك في خطط الولايات المتحدة التي أطلقتها لخلق منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط بحلول عام 2013 بعد أن وقعت اتفاقيات مع البحرين والأردن وتونس والمغرب.
وتضرب الدراسة مثالين على نجاح السياسة الأوروبية وفشل نظيرتها الأمريكية فيما يخص قضايا الشرق الأوسط، هما الملفان السوري والإيراني؛ فبينما يدعم الاتحاد الأوروبي الإصلاح في سوريا عن طريق الحوار مع الإصلاحيين من داخل الحكومة، تفضل واشنطن عزل سوريا عن المجتمع الدولي ودعم حركات المعارضة من خارج سوريا. أما بالنسبة لإيران فقد قدم الاتحاد الأوروبي بعض التنازلات حول دعوات الإصلاح الداخلي من أجل مواصلة الحوار حول البرنامج النووي، وهو عكس توجه الإدارة الأمريكية السابقة، والتي أرادت التغيير جملة واحدة ورفضت بداية الحوار مع إيران.
لكن الدراسة تشير إلى أثر وصول قادة جدد في فرنسا وألمانيا وإدراك تحدي إصلاح النظام السياسي العربي، في حصول تقارب في الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية لنشر الديمقراطية، بغية مواجهة تحديين أساسيين هما كيفية عرض حوافز معينة على الحكومات العربية للمضي في إصلاحاتها الديمقراطية، وكيفية دعم الديمقراطية على المدى البعيد مع تحقيق أهداف استراتيجية على المدى القصير. وتضرب مثالاً على التعاون الأمريكي الأوروبي المثمر بالملف الليبي، حيث نجح التعاون الأمريكي ـ البريطاني في دفع ليبيا للتخلي عن برنامج أسلحتها للدمار الشامل عام 2003.
وتوصي الدراسة بإنشاء منتدى لتنسيق السياسات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول الشرق الأوسط بما يتوافق مع الحوار الاستراتيجي الذي أطلقه الطرفان عام 2005. والاستمرار في إطلاق بيانات دبلوماسية مشتركة حول عمليات الإصلاح في الشرق الأوسط، وتنسيق الجوائز أو المكافآت التي يجب أن تحصل عليها الدول العربية التي تُجري إصلاحات ديمقراطية حقيقية، وتنسيق المواقف حول الحوار مع الإسلاميين. الأمر الذي قد يكون مشروعاً متكاملاً للعمل مع الحلفاء الأوروبيين بالنسبة للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة أوباما، والذي أبدى استعداداً كبيراً لتفعيل تحالفاته الأوروبية لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.


كاتب وباحث
[email protected]

 

 

   

(96)    هل أعجبتك المقالة (104)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي