أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عن ايران في يوم الارض ... بلال حسن التل

لا أجد مناسبة أفضل من مناسبة يوم الأرض لألقم بعض الأفواه حجراً على ما تقوله حول اللواء ومواقفها. أقصد بالتحديد تلك الأفواه التي لا تترك مناسبة إلا وتشير إلينا في اللواء باعتبارنا أصدقاء لإيران. منحازين لخطها السياسي. ولهؤلاء نقول أننا لا نعتبر ما تقولونه تهمة تحتاج منا لدفعها وتفنيدها. فهي عندنا موقفٌ نعتز به. ومنهجٌ اخترناه عن قناعة، ودفعنا وما زلنا ندفع تكاليفه منذ التباشير الأولى للثورة الإسلامية التي اندلعت في ايران. وهو موقف لم نخفه، ولم نداره. حتى عندما كان الأردن الرسمي كله وجزءٌ من الأردن الشعبي ضد ايران وثورتها لكننا بقينا نحن في اللواء في صف الثورة الإسلامية ندافع عنها، ونتحمل التكاليف. بل اننا لم نحاول ان نتنصل من انحيازنا للثورة الإسلامية عندما عاتبنا جلالة المغفور له الحسين بن طلال على هذا الإنحياز. وقد كان جلالته كبيراً عندما قبل منا هذا الإنحياز لأن جلالته كان يعلم أيضاً ان انحيازنا للثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني، لا يعني انسلاخنا عن جلدنا الوطني وانتمائنا لعروبتنا. فنحن نؤمن بأن لا تناقض بين الدوائر التي يعيش فيها الإنسان المسلم: اسرته فعشيرته فوطنه فقومه في إطار إسلامه. الذي هو المرجعية والحكم والمقياس.
ومثلما تحملنا تكاليف انحيازنا للثورة الإسلامية في إيران ودفعنا ثمنه فإننا أيضاً تمردنا على الإغراءات وما أكثرها. ويعرف الكثيرون ان النظام العراقي السابق قدم لنا الكثير من الإغراءات، لا لننحاز إلى صفه ضد الثورة الإسلامية. فقد كان يعلم أن ذلك من المستحيلات. ولكنه كان يريد منا أن نقف موقف المحايد. وهو موقف لم نقبل به. حتى إذا ما صارت المواجهة بين العراق والولايات المتحدة كنا أول من دافع عن العراق. رغم ان أحداً لم يطلب منا ذلك. لكنها قناعاتنا تدور بنا حيث مصالح الأمة، وحيث أحكام الإسلام وتوجيهاته، التي تجعلنا نصرخ اليوم، بالفم المليان في وجه الذين يصرون عبر بعض المواقع الإلكترونية على الحديث عن انحيازنا للخيار السياسي للثورة الإسلامية في إيران وكأنه تهمة. لنقول لهم نعم نحن مع هذا الخيار لأنه خيار المقاومة من أجل حقوق الأمة. نعلن ذلك غير هيابين ولا وجلين وفي يوم الأرض بالتحديد. لأننا نعتقد ان هذا الخيار هو طريقنا لتحرير أرضنا. وعلامة ذلك هذه الهزائم المتتالية التي تلحقها بالعدو المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين. وهي المقاومة التي لا تتردد ايران المسلمة بدعمها والدفاع عن حق امتنا في ممارستها، حتى تحرير كامل التراب المحتل، وفي طليعته القدس. حيث أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله. والتي صار تحريرها فرض عين على كل مسلم ومسلمه عربياً كان هذا المسلم أم أعجمياً. وتقاعس العرب عن أداء فريضة تحرير فلسطين لا يسقط هذه الفريضة عن سائر المسلمين.
وإذا كان دعم المقاومة في لبنان وفلسطين يكفي للانحياز للموقف السياسي لإيران المسلمة، فكيف إذا كان الأمر أكثر من ذلك بكثير؟ فالثورة الإسلامية في إيران علاوة على دعمها ومساندتها للمقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين على وجه الخصوص، فانها هي التي طرحت الإسلام السياسي على الساحة العالمية وجعلت منه رقماً صعباً، لا يمكن تجاهلها في السياسة الدولية. وها هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أوباما قادم إلى حاضرة الخلافة الإسلامية في تركيا ليخاطب المسلمين ويفتح معهم صفحة جديدة. بعد أن فشلت سياسة العصا التي اتبعها أسلافه في كسر إرادة المسلمين وهزيمتهم. وهي الإرادة التي لعبت الثورة الإسلامية في إيران دوراً مركزياً في بنائها وتصليبها وصمودها أمام الاستكبار العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي صار رئيسها يخطب ود العالم الإسلامي، وفي طليعته إيران التي ردت عليه بأن المسلمين يحتاجون من بلاده إلى أفعالٍ لا أقوالٍ. والى تصحيح أخطاء أمريكا خلال العقود الماضية بحق المسلمين الذين لن تخدعهم بعد اليوم القفازات الحريرية. ولن يقبلوا بفتح صفحة جديدة مع الغير لمجرد تبويس اللحى والأخذ بالأحضان. فقد ولى زمن تبويس اللحى لحل المشكلات فقضايا الأمم الحية التي تحترم نفسها لا تنتهي بتبويس اللحى وتطييب الخواطر وهو بالضبط ما قاله مرشد الثورة الإسلامية في رده على رسالة أوباما للشعب والقيادة في إيران . ومع انتهاء زمن حل الخلافات عبر تبويس اللحى اقبل الزمن الذي بدأ فيه المسلمون بالعودة إلى لعب دورهم الحضاري والسياسي على الساحة الدولية. حيث لعبت إيران المسلمة دوراً مركزياً في هذه العودة، التي ستكتمل بعد أن صارت صورتها تتضح في الأفق العالمي والذي شكل فيه الرد الإيراني على رسالة أوباما لإيران في عيد النيروز علامة فارقة في طبيعة الخطاب السياسي الإسلامي للمرحلة القادمة وخاصة من حيث تأكيد الرد الإيراني على ثوابت الأمة وفي مقدمتها الموقف من العدوان الإسرائيلي .
لقد رافق طرح الاسلام السياسي على الساحة الدولية عملية دؤوبة لبناء الإرادة المسلمة. وتحرير هذه الإرادة من التبعيه للغرب. خاصة بعد أن استطاعت مواقف الثورة الإسلامية في إيران أن تثبت أن قرارات امريكا وسياساتها ليست قدراً لا يرد على العكس من ذلك فقد صار ثابتاً أن أمريكا تغرق في مستنقعات هزائمها. ان في لبنان أو في فلسطين أو العراق أو أفغانستان. كل ذلك بفضل الإرادة الإسلامية المقاومة التي تحتل الثورة الإسلامية الإيرانية موقعاً مركزيا في بنائها ورعايتها وحمايتها، وهذه الإرادة الإسلامية الحرة هي التي تجعل حزب الله يدير الظهر للعروض الأمريكية للحوار المشروط مع الحزب. وبذلك فإن حزب الله يعلن بالممارسة العملية. ان زمن فرض الشروط الأمريكية وغير الأمريكية قد ولى مثلما ولى عصر الهزائم العربية وابتدأ عصر الانتصارات وصولاً إلى تحرير كامل أرضنا. وفي الطريق إلى هذا التحرير سقط الزمن الذي كان فيه المسلمون يهرولون فرحاً للقاء أي مسؤول غربي بمجرد إشارة بسيطة من هذا المسؤول. وها قد أظلنا زمن يرجو فيه الأمريكي حواراً ويضيع فيه المسلمون شروطهم.
ومثلما لعبت الثورة الإسلامية في إيران دوراً مركزياً في تحرير الإرادة السياسية والعسكرية للمسلمين. واثبتت ان القرار الأمريكي ليس قدراً لا يرد. كذلك فعلت على صعيد تحرير المسلمين من نير التخلف. الذي أراد المستكبرون ابقاء المسلمين أسرى له. وها هو الملف النووي الإيراني يشكل مصدر رعب للعدو الإسرائيلي المحتل لأرضنا، التي تؤسس انجازات الثورة الإسلامية الإيرانية لتحريرها منذ طرد السفارة الإسرائيلية من طهران واستبدالها بسفارة فلسطين إلى يوم الناس هذا حيث انتصار تموز وصمود غزة واندحار العدوالذي صار يحسب ألف حساب للملف النووي الإيراني الذي يشكل ثمرة من ثمار بناء القدرة العلمية والصناعية للمسلمين. وهو البناء الذي قطعت فيه إيران المسلمة أشواطاً طويلة. جعلت أي حصار عليها نوعاً من العبث في ظل قدراتها الانتاجية التي وصلت إليها ايران المسلمة بفضل نجاحها في توظيف امكانياتها لخدمة شعبها وأمتها. ولذلك ننحاز لخيارات إيران السياسية لنسأل في يوم الأرض أولئك الذين يغمزون منا بسبب هذا الانحياز أيهما أشرف ان نقف في خندق الإسلام والمسلمين. وفي كتائب المقاومة والمقاومين. أم نقف في طابور الإستسلام والمستسلمين الدائرين في الفلك الأمريكي الصهيوني المعادي لأمتنا ؟!
وفي يوم الأرض أيضاً نقول للذين يسعون إلى قلب المعادلة بهدف تحويل ايران إلى عدو للعرب واستبدال العداء العربي الإسرائيلي بعداء عربي إيراني. نقول لهم انكم واهمون ونسألهم أيهما العدو: ايران التي التي تدعم المقاومة وتسعى لتحرير القدس والتي يجمعنا بها الجوار الجغرافي. والتاريخ المشترك. والحضارة التي بنيناها معاً باعتبارنا ابناء دين واحد نعبد رباً واحداً. ونتبع رسولاً واحداً. ونقرأ قرآناً واحداً. ونحج لكعبة واحدة ونصوم شهراً واحداً. أم إسرائيل التي تحتل أرضنا وتدنس مقدساتنا وتستبيح حرماتنا؟ والجواب بالتأكيد انه من المستحيل ان تكون ايران عدواً بديلاً لإسرائيل. وهذه حقيقة راسخة في ضمير كل مسلم ومسلمة وستطفيء هذه الحقيقة كل نيران الفتن المذهبية التي يسعى الحاقدون لإشعالها.
أما لأولئك الذين يخوفوننا من المشروع السياسي والمذهبي لإيران، فنقول: اما على الصعيد المذهبي فقد افتى أصحاب المرجعية الشرعية وفي طليعتهم الأزهر بجواز التعبد بالمذاهب الإسلامية المعتمدة ومنها المذهب الجعفري. وهي الفتوى التي أكدها المؤتمر الإسلامي الدولي الذي نظمته واحتضنته عمان عاصمة آل البيت بحضور كبار علماء الأمة ومن كل المذاهب لذلك نقول ان فزّاعة التشييع لا تخيف أحداً. لأنها مقولة لا تنطلي على أحد. مذكرين بأن في ايران مجمعاً عالمياً للتقريب بين المذاهب. يؤمن بالمذاهب الإسلامية المعتمدة كلها ويسعى لإبراز الجوامع بينها والتعاون على أساس هذه الجوامع .
أما على الصعيد السياسي فنقول انه من حق كل دولة بأن يكون لها مشروعها السياسي. وإذا كان لإيران مشروع سياسي وهو من حقها كدولة ذات سيادة فالسؤال هو: أين المشروع السياسي العربي؟ وبدلاً من شتم المشروع السياسي الإيراني، والتخويف منه فلنعمل على إيجاد مشروع سياسي عربي يعبر عن إرادة الأمة. ثم لنبحث عن القواسم المشتركة بين المشروع العربي، والإيراني والتركي لنبني اقليماً اسلامياً حراً قادراً على الدفاع عن مصالحه وفرض ارادته. وهو أمر لن يتم ما دام العرب يشكلون بضعفهم واختلافهم نقطة الخلل الرئيسية في هذا الإقليم. وبوابة التدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية. وهو التدخل الذي يحول دون وحدة الأمة ودون تحرير أرضها التي نحيي يومها بالقول : اننا مع إيران المسلمة لأنها تدعم مقاومة الأمة سعياً لتحرير إرادتها وأرضها

(94)    هل أعجبتك المقالة (96)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي