رصد تقرير بعنوان "سرقة زنوبيا" عُرض مؤخراً على "التلفزيون العربي" رحلة تهريب الآثار السورية من داخل البلاد إلى خارجها عبر مغامرة صحفية شارك فيها عدد من الصحفيين والإعلاميين وثقوا فيها بكاميراتهم السرية خط سير التهريب من الحفر حتى تهريبها لدول أوربية عبر الحدود.
وكشف التقرير الذي أعده وأخرجه "يوسف الجندي" عن قطع أثرية يبحث عنها الانتربول الدولي لدى مهرب آثار سوري في تركيا، وتعود القطع إلى مدفن "أرطبان" بمدينة تدمر، وهي ضمن 7 من أصل 22 قطعة كان الانتربول نشرَ على موقعهِ الإلكتروني أنها مفقودة بين عامي 2014 و2015، بحسب ما جاء في التقرير الذي عُرض ضمن برنامج "شيفرة".
و"تمكن فريق التحقيق من الوصول إلى القطعة مع تاجر سوري يعيش في مدينة "الريحانية" التركية والذي عرض على الفريق عدداً من القطع الأثرية الأخرى التي تم تهريبها من مدن حمص وتدمر من ضمنها تمثال نصفي بالإضافة إلى جدارية فسيفساء نقلها إلى كندا -كما روى مخرج التقرير.
وأشار الجندي الإعلامي القادم من مدينة حمص لـ"زمان الوصل" إلى أن فكرة تقريره انطلقت من جملة تقول إن التراث في سوريا هو ملك للشعب السوري وعليه الحفاظ عليه قبل أي أحد، لأنه يمثل تاريخ وحضارة صمدت لمئات السنين أمام جميع العوامل لتصبح الآن أثراً بعد عين.
وأردف محدثنا أن "المجتمع برمته بات ضحية لهذه الجريمة التي تضيع تاريخهم وهويتهم وقدرتهم على فهم أنفسهم ومكانهم في هذا العالم وقدرتهم على فهم كيف عاش أبناء المجتمع معاً في الماضي، وكيف يمكنهم العيش معاً في المستقبل"، مضيفاً أن "هؤلاء هم الضحايا الذين خسروا أكثر من مجرد ممتلكات ثقافية تعود ملكيتها لهم".
ولفت "الجندي" الذي أنجز فيما مضى العديد من الأفلام التسجيلية والتقارير الاستقصائية أن "هدف الفيلم كان العثور على قطعة مهمة تعود لأحد أهم المناطق الأثرية في سوريا، وتم اختيار مدينة تدمر -حسب قوله- نظراً لأهميتها التاريخية والحضارية أولاً، والسبب الثاني تعرضها للدمار والسرقة بشكل كبير، وخصوصاً أن النظام السوري وتنظيم "الدولة" تناوبا على سلب هذه الحضارة، ولذلك قرر فريق الفيلم حصر الفترة الزمنية للسرقات بين عامي 2012 وعام 2015 وخاصة أن النظام نشر في موقع مديرية المتاحف التابعة له عن إعادة قطع أثرية تعود لمدينة تدمر، وهذا دليل مباشر على أن عناصر تابعة للنظام قامت بالسرقة.
وانكب صانعو الفيلم على البحث بين الصور، ولكنهم لم يجدوا ما هي المسروقات التي تمت إعادتها وكان من الواضح -حسب الجندي- أن النظام أراد من هذا الإعلان إيهام المجتمع الدولي أنه يحافظ على التراث وليخبئ ما قام به في مدينة تدمر من تغيير جغرافي للمنطقة الأثرية أثناء تمركز الاليات العسكرية داخل الحرم الأثري، ما أتاح السرقات بشكل علني ومكشوف وبخاصة من منطقة "المدافن" التي انطلق منها فريق الفيلم.
وكشف "الجندي" أن عملياتِ تهريبِ الآثارِ عَبْرَ الشمالِ السوريّ تتِمُّ من خلالِ ثلاثِ مناطقَ حدوديةٍ من الطرفِ السوري وهي: (أطمة)، حيث يتمُّ تهريب القطع من خلال النّفق المحفوِر تحت الجدار (سلقين)، عَبْرَ منطقة (الحمزية)، وذلك عن طريق عبور النهر بالطوافات والزحف مسافة 700 متر عبر الأراضي الزراعية داخل تركيا، وهنا يتم اللقاء بالمزارع التركيّ صاحب الأرض الذي يتولّى عملية نقل القطعْ.
ومعبر (باب السلامة)، عن طريق أشخاص لهم علاقات بالفصائل العسكرية المسيطرة هناك، فهم يستغلون تصاريحهم التركية القانونية للعبور، لينقلوا سرّاً القطع الأثرية.
ولفت مخرج الفيلم إلى أن هناك العديد من العراقيل والصعوبات التي واجهت فريقه ومنها تزايد المخاوف من انقطاع الاتصال بأحد أعضاء الفريق الذي كان يمتد لثلاثة أو أربعة أيام أحياناً، لكن أهم المخاطر في هذه المغامرة كانت التنقل بين نقاط الشبيحة وصولاً الى الحدود التركية، فمن المعروف أن أي خطأ قد يودي بحياة الصحفي، وكذلك الخشية من اختفاء الصحفي على الحدود بين تركيا وإدلب نظراً لانتشار مافيا حقيقية في هذه المنطقة تتنوع بين تهريب البشر وتهريب الحجر.
الجندي عبّر عن اعتقاده بوجود حالة من الجهل لدى الناس ممن يقطنون قرب الآثار ويقومون بالتنقيب مقابل القليل من المال، لافتاً إلى أن فريق الفيلم تعامل مع تجار وحفارين صغار يعيشون ضمن المناطق التي كانت محررة من سيطرة النظام في هذا الوقت، والذين يتواصلون مع رجال النظام المعروفين باسم "الشبيحة" وفي نفس الوقت ينسقون مع مسلحين نافذين ضمن المناطق التي يسيطر عليها الثوار والجماعات المسلحة المناهضة للنظام وصولاً إلى تمرير القطع لتجار أكبر ينقلونها عبر الحدود الشمالية لسوريا.
وحول التهاون في حماية الآثار سواء تلك التي في المناطق المحررة أو في مناطق سيطرة النظام وعلى من تقع المسؤولية أوضح محدثنا أن هناك جزأين للمشكلة هما الدمار والسرقة فالدمار في المدن الأثرية المتهم فيه نظام الأسد ومن ثم تنظيم "الدولة" والجيش الروسي، أما السرقة فجميع الأطراف في سوريا متورطة بها.
وتابع مخرج "سرقة زنوبيا" أن النظام السوري وتنظيم "الدولة" وبعض المتسلقين على الثورة ممن يتخذون من البحث عن آثار مصدر عيش لهم بسبب سوء الأوضاع المعيشية، وهم الحلقة الأضعف في هذه التجارة، ولكن هذا -حسب قوله- لا يبرر لهم السرقة أبدا تحت أي ظرف.
ولفت محدثنا إلى أن سرقة الآثار السورية لم تعد أعمالاً فردية، بل تحولت إلى شبكة منظمة وهي عبارة عن خليط بين شبيحة النظام وبعض المتسلقين في الثورة، الذين يتناوبون على النقل ولكل منهم دور في العملية ضمن المناطق التي يسمح لهم فيها بالتحرك، ولذلك فحماية الآثار السورية ومنع نهبها يحتاج -كما يقول- إلى تمويل ومراقبة كبيرة ويصعب على فصائل المعارضة تتبعها وضبطها.
واستدرك أن "العاتق الأكبر يقع على يونيسكو التي لم تتخذ أي إجراء للحد من هذه التجارة في المناطق المحررة، كما يتحمل الانتربول مسؤولية في ملاحقة وتتبع التجار، فمن السهل عليه الكشف عن القطع التي تكون في البداية بحوزة التجار الصغار قبل انتقالها إلى المافيات التي تتحكم في السوق وفي القطع، والتي تصدر لها شهادات مزورة ليشرع بيعها في الأسواق الأوروبية".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية