منذ سيطرة حافظ الأسد على مقاليد الحكم في سوريا عام 1970، لم يترك نظامه الدموي وسيلة واحدة ليشبع نهمه في حب الانتقام من السوريين المعارضين لسياساته، وسار على هذا النهج والمدرسة الوريث للسلطة بشار الأسد، الذي لم يحدث أي تغيير في بنية النظام الشكلية، سوى أنه سبق والده بأعداد الضحايا وحجم الدمار.
ورغم مرور نصف قرن على هذه العقلية، لن يتغير هذا النظام ومن يظن غير ذلك فهو يعيش في وهم كبير، وربما كانت هذه الغلطة القاتلة التي وقعت فيها مناطق المصالحات أو التسويات، بغض النظر عما إذا كانت مجبرة على إجراء التسويات بسبب الحملات العسكرية الهمجية، أو أنها وقعت في حبال الكذب والخداع التي يتفنن فيها نظام الأسد ليصل إلى غايته.
في درعا، التي دخلت حيز التسويات في تموز/يوليو الماضي، بعد حملة واسعة دعمتها كلا من روسيا وإيران، بدأت تتكشف نوايا نظام الأسد تجاه أهالي هذه المنطقة، ففي كل يوم تتضاعف مذكرات الاعتقال وقوائم المطلوبين وأصبح مرور الشبان على الحواجز العسكرية مخاطرة لا تحمد عقباها.
صحيح أن نظام الأسد أسقط ما يسمى "الحق العام" تجاه أصحاب التسويات، لكنه أبقى على "الحق الشخصي"، وهنا لعب لعبته بخبث ودهاء، حيث عمم أوامره على المحاكم من أجل تسهيل استقبال مثل هذه الدعاوى، كما قال المحامي (ي . د)، مؤكدا أن النظام يدعم هذه الدعاوى بقوة ويدفع مواليه لتحريكها.
وأفاد المحامي أن جميع الدعاوى في المحاكم المنتشرة في المحافظة حركت من قبل الموالاة ضد المعارضين، لدرجة أن المحاكم الشرعية ستأخذ نصيبها.
وسبق للمحامي العام التابع للنظام في درعا "سعود المحمد" أن صرح لصحيفة "الوطن" الموالية أن "عدد شكاوى الحق الشخصي ارتفع أكثر من 15 ضعفاً، عما كان عليه سابقاً. وأن المصالحات التي عقدها النظام مع الفصائل في درعا، لا تعني إسقاط التهم الموجهة ضدهم بدعاوى شخصية".
وفي هذا الصدد اعتبر الصحفي "محمد العويد" أن "الإشكالية ما زالت في نظام الأسد الذي يرسل الرسائل باتجاه واحد، بهدف كسر العظم، فالمتفق عليه اجتماعيا بعيدا عن رسائل النظام أن صاحب الحق سيطالب بحقه اليوم أو بعد غد، والأصل في القضايا المدنية والجنائية والجزائية أنها حقوق مجتمعية، فليفتح الباب على مصراعيه أمام كل الناس لتقام الدعاوي ذاتها ضد لجان الدفاع الوطني وقيادات أمنية وعسكرية، حينها يمكن للجميع أن يوافق، أما ما يجري حاليا فهو اغتيال باختلاف الأيدي والأدوات والطرق يعني أن الحرب مفتوحة".
وتجاوز عدد القادة العسكريين المعتقلين في سجون نظام الأسد الـ25 قياديا بالرغم من حصولهم على وثائق التسوية، منهم: (القيادي في جيش الثورة "فادي العاسمي"، وقائد فرقة المنصور "أيهم الجهماني"، والقيادي في فصيل فلوجة حوران "سليمان قداح"، والقيادي العسكري في مدينة إنخل "مالك البرغش"، و"محمد أبو زيد"، و"وهيب البرتقالي"، و"محمد الوادي"، و"يوسف الفروخ").
كما قتلت قوات الأسد رئيس مخفر داعل الحرة "غانم الجاموس" بعد اعتقاله بساعات، حيث عثر على جثته في السهول المحيطة بالمدينة.
ويقول الصحفي "عباس الديري" إن المصالحات مع نظام الأسد تشبه إلى حد كبير "مهادنة الضباع" والعيش معها، فالنظام لا يستطيع سماع كلمة معارضة، ومجرد ذكرها في قاموسه يعني أنها ستترافق مع الموت والدم والمجازر"، لافتا إلى أن دعوى واحدة تقدم بها مدير الزراعة في حكومة النظام، أسفرت عن اعتقال 30 شخصا في مدينة "الشيخ مسكين".
وأكد على أن هذا النظام لا يمكن له أن يعيش مع السلام، من دون أن يطرب بسماع صريخ المعتقلين وتكسير عظامهم، فهو كما كل السفاحين يتلذذ بمشاهدة الأشلاء والدماء في كل مكان.
درعا - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية