أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عندما سقطت بغداد كنت هناك، مشاهدات حية على جريمة احتلال العراق(5-7)

الحلقة 5- 7

لقد وقع الانفجار في صهريج للنفط بينما

كان ينوي التوقف عند الاشارة الضوئية، والحقيقة ان لا احد يستطيع ان يحدد ما الذي حدث، هل كان الصهريج مفخخا ام انه انفجر تلقائيا، ام ان صاروخا ضربه، لان الذين تجمعوا حول الصهريج لم يكونوا خبراء متفجرات ولا متخصصين، بل اناس عاديون مثلي وغيري، ما اريد ان اقول هو ان هذا الحادث وتوجيه اللوم الى الاميريكيين في اسبابه، انما كان نموذجا لهذا الغضب المتنامي في الصدور على قوات الاحتلال الاميريكي باعتبارها سببا لكل الام ومصائب العراق.

لقد سمعت الكثير من القصص المشابهة خلال فترة وجودي في العراق بعد الاحتلال. فمثلا، هناك من يؤكد ان الكثير من السيارات التي يقال انها مفخخة او ان انتحاريا كان يقودها هي من فعل الاميريكيين، وان ما يقال ويتردد عن تفجيرات في هذا المكان او هذا الحي او ذاك انما يقف وراءه قوات الاحتلال الاميريكي وعملاء الاحتلال وخاصة الذين اتوا معهم من اجل تعميق الفجوة بين ابناء الشعب الواحد.

فبالنسبة للسيارات المفخخة التي يتم تفجيرها في الاسواق والاماكن المكتظة او في الاحياء السكنية مستهدفة المدنييين الابرياء، يعتقد الكثير من العراقيين ان من يقف وراءها هم قوات الاحتلال، حيث يقول هؤلاء ان الاميريكيين بامكانهم ان يتحركوا بحرية وبسهولة، ولا احد يستطيع ان يمنعهم من فعل ما يشاؤون، ويتابع هؤلاء انهم شاهدوا الكثير من السيارات العراقية التي يتم جرها من قبل الاميريكيين الى داخل معسكراتهم، ويتساءل هؤلاء، من يقول انهم لا يقومون بتفخيخ تلك السيارات ومن ثم وضعها في الشوارع او الاسواق او حيثنما شاؤوا؟، او ليس هم من يتسيد الشارع خلال ساعات منع التجول ليلا؟ او ليس لهم من العملاء الكثير؟ لماذا لا يقوم هؤلاء العملاء بايقاف تلك السيارات حيث يطلب منهم ومن ثم يتم تفجيرها.؟

اما عن السيارات التي يقال انها فجرت من قبل انتحاريين، فيقول هؤلاء ان هذا ليس بالضرورة هو الصحيح، حيث وفي احيان كثيرة يقيم الجيش الاميريكي نقاط تفتيش او حواجز داخل العاصمة او خارجها، واحيانا لا يتم السماح لمن يقود السيارة بالنزول منها خلال عمليات التفتيش، ويتابع هؤلاء من يستطيع ان يمنع القوات الاميريكية بوضع المتفجرات في صندوق السيارة في غفلة من سائقها، الذي يكون همه هو ان يمر عبر هذا الحاجز، وبعد ان يامروه بالمغادرة يتم تقجير ما تم وضعه في الصندوق بواسطة التحكم عن بعد، والحقيقة ان هذه القصة ترددت كثيرا في بغداد بعيدا عن ما اكده الكثير من العراقيين الذين قالوا انهم شاهدوا سيارات تنفجر بعد ان تعبر الحواجز بمسافة ليست بعيدة.

يتفق الكثير من المراقبين على ان انطلاقة المقاومة العراقية كانت ربما الأسرع في التاريخ المعاصر، لا بل انها بدأت قبل ان يستقر المقام لهذا المحتل في ارض الرافدين، ويستشهد هؤلاء بما قامت به سيديتين عراقيتين قبل ان يكتمل الاحتلال الاميريكي للعراق وقبل ان تسكت المدافع، وكما هو معلوم للجميع فان القاعدة تقول انه ما دام هنالك احتلال فلا بد من وجود مقاومة، فقد طبقت هذه القاعدة بشكل مبكر في العراق.

لم تقتصر المقاومة في العراق على قسم منه او على طائفة بعينها كما يعتقد او يقول الكثير من المهتمين بالشان العراقي، فهي وان كانت تتفاوت من مكان الى اخر وبرغم تفاوت قوتها بين هذه المنطقة او تلك من ارض العراق، وبرغم انها قد تكون بنسبة اكبر بين ابناء احد مكونات الشعب العراقي من مكون اخر، الا انها موجودة في كل الاراضي العراقية وهي كذلك مفتوحة ويتم المشاركة بها من جميع ابناء الشعب لعراقي.

بعد ان انتهت الحرب على العراق وبعد ان اتمت قوات الاحتلال السيطرة على هذا البلد من قبل الغزاة، كان لا بد لي من التوجه الى الاردن للغرض ذاته الذي زرت عمان من اجله قبل بداية الحرب الا وهو طمانة الاهل والاصدقاء بانني لا ازال بخير، وقد سافرت بعد اقل من ثلاثة اسابيع على وجود الاحتلال، وكانت حالة من التقيتهم في الاردن من التردي بحيث صار علي ان اواسيهم بدلا من ان يفعلوا هم ذلك، وكان السؤال الدائم، ماذا عن المقاومة؟ وكان ردي الذي لا تراجع عنه، المقاومة ستنتصر وهذا الاحتلال الى زوال، لا بل لقد جاء هذا الاحتلال ليفتح عصرا جديدا سوف يمرغ وجه اميريكا بالتراب، وستسود المقاومة وستهزم اميريكا في العراق، انني ارى هزيمة اميريكا في العراق حقيقة واضحة، انها ليست سوى مسالة وقت وهو وقت لن يطول على اي حال.

بعد عودتي الى العراق كان لا بد لي ان اعيش حياتي كما هي، وسارت الحياة بحلوها ومرها، وكنت اعيش دوما حالة من التفاؤل الذي لم اعشه من قبل فيما يتعلق بالمقاومات العربية المختلفة، الا ان مشاهداتي كانت تجعلني اشعر بان هذا التفاؤل بازدياد برغم كل الاحداث التي قد تكون سببا في الاحباط لدى الاخرين.

ان محاولة البعض تجيير المقاومة الباسلة في العراق لهذا الفصيل او ذاك، او لهذه الجهة اوتلك انما يحمل في طياته الكثير من الغبن والتحيز، وربما الجهل او التعصب الاعمى الذي لا مبرر له، خاصة وان المقاومة تضم الجميع وان من العيب كما الظلم عدم الاعتراف بادوار المقاومين من كل الجهات.

شارع حيفا

لا اعتقد ان احدا لم يسمع بشارع حيفا، انه احد اكثر الشوارع التي ذاع صيتها خلال فترة الاحتلال ومن ثم عرف عنه انه الشارع المقاوم في قلب العاصمة العراقية. عند الحديث عن هذا الشارع فان البعض وربما الكثيرين قد يعتقدون انه مجرد شارع كما بقية الشوارع في العاصمة بغداد او في اي عاصمة او مدينة عربية او غير عربية. والحقيقة انه عندما تتحدث وسائل الاعلام عن هذا الشارع فانما المقصود منطقة شاسعة في وسط بغداد، وحيث ان هذا الشارع هو الاكثر تميزا فانه يتم ذكره عندما يتم الحديث عن تلك المنطقة، لقد كان لي مع شارع حيفا هذا العديد من القصص والذكريات التي لا اعتقد انها سوف تمحى مع مرور الوقت.

شارع حيفا يقع في قلب منطقة تمتد على عدة كيلومترا من بغداد، فالمنطقة تضم العلاوي والرحمانية والكرخ والشواكة وجزء من الصالحية القريبة من وزارة الاعلام وغيرها، وهذه تضم عشرات الآلاف من السكان كما انها تقع في قلب العاصمة، ولا تبعد الا عدة مئات من الامتار عما اصبح يعرف بالمنطقة الخضراء التي تقع بداخلها السفارتان الاميريكية والبريطانية كما عدة سفارات اخرى، اضافة الى اشهر فنادق بغداد وهو فندق الرشيد الذي تم قصفه من قبل القوات الاميريكية في الحرب الاولى على العراق كما بعدها وذلك عنما تم توجيه تهمة للعراق بانه وراء التخطيط لمحاولة لاغتيال الرئيس الاميريكي جورج بوش الاب خلال زيارته للكويت، والذي كانت على مدخله صورة للرئيس الاميريكي الاسبق بوش الاب، حيث كان لا بد للداخل اليه ان يدوس على وجه بوش في صورة رمزية ارادها العراقيون للدلالة على ما يحملونه تجاه هذا الكاوبوي المتعجرف.

كنت وابني محمد متجهين باتجاه باب المعظم عندما صرنا في وسط شارع حيفا، واذا بالعديد من السيارات ترتد على اعقابها وتسير بعكس اتجاه السير، ولما استفسرت عن الامر قيل لي انهم "المجاهدين" وقد نصبوا نقطة تفتيش عند ساحة الطلائع في نهاية الشارع يدققون في هويات الناس، وقد اكملت سيري باتجاههم برغم ان محمدا وقد كان في العاشرة من عمره عندئذ، طلب مني العودة كما يفعل الاخرون، وعندما وصلت اليهم وكانوا حوالي ستة من الشباب، هؤلاء الذين يقفون امامي مباشرة، الا انني استطعت ان الاحظ العديد الاخرين منهم وهم منتشرون بجانب العمارات السكنية وفي زوايا الساحة المختلفة، كانوا مسلحين بالبنادق والمسدسات وقذائف ال آر بي جي، وقد طلب هؤلاء مني الهوية وعندما تحدثت اليهم بلهجتي غير العراقية تلك اللهجة التي اتقنها تقريبا، رحبوا بي بحرارة وتمنوا لي الموفقية.

بعد ان غادرنا نقطة تفتيش "المجاهدين" سالني ابني لماذا هذا الاصرار على ان اكمل طريقي وان امر عبرهم، وكان ردي له ان هؤلاء من المقاومة التي لا يمكن ان تتعرض لي او لغيري، عدا عن انني لم افعل شيئا قد يسيء اليهم، وهم لا يمكن ان يعتدوا على الناس هكذا لمجرد انهم اناس عاديون، قال لي محمد: يا ابي لقد افزعتني، لقد شعرت انني لا استطيع ان اسيطر على نفسي، ان اسناني لا تزالان تصطكان من الخوف ورجلاي لا تقويا على حملي برغم انني اجلس على مقعد السيارة، قلت له انظر الى الخلف الا ترى اننا لسنا الوحيدين الذين عبرنا نقطة السيطرة، ان هنالك العديد من الناس يعبرونها بدون اية مشكلة.

في نفس المكان تقريبا في نفس الشارع وفي مرة اخرى لكن بالاتجاه المعاكس، اي انني كنت قادما من باب المعظم باتجاه العلاوي ومن ثم الى المنصور فالبياع فالى الشقة في حي صدام، كنت لا ازال في بداية شارع حيفا اي قرب ساحة الطلائع، واذا بي اسمع اطلاق للرصاص كثيف، لقد كان على بعد مئات الامتار مني، ولما استمريت بالتوجه اماما وصلت الى العلاوي وقد توقف اطلاق النار.

لقد وصلت حيث كان الحادث قد وقع، انها سيارة رباعية الدفع كان بالامكان ملاحظة ان كل ما سمعته من اطلاقات كان في السيارة، لان المنطقة من الازدحام بحيث لو ان هذا الاطلاق كان على الناس لحدثت مجزرة، في السيارة شخصان او على الاصح جثتين لشخصين وقد تعرضا الى عشرات الرصاصات التي اخترقت جسديهما، لقد كانا احد المدراء العامين وسائقه، العملية لم تكن متميزة عن غيرها باي شيء ربما، سوى في دقة المعلومات الاستخبارية والمتابعة الدقيقة والتوقيت وهذا الاقدام والجرأة في التنفيذ لدى رجال المقاومة الذين كمنوا في المنطقة في ساعة ازدحام شديد لا يستطيع السائق الا ان يسوق ببطيء شديد، لقد نفذوا العملية بكل يسر وسهولة وانسحبوا دون اي مشكلة تذكر ودون ان يعترضهم احد ابدا.

عندما كنت اسلك شارع حيفا كانت تعتريني الكثير من المشاعر المتناقضة

25-3-2009

رشيد شاهين
(92)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي