أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في الذكرى السادسة للحرب على العراق ... رشيد شاهين

قد يكون السؤال الأكثر إلحاحا وربما أهمية بعد قدوم باراك اوباما إلى سدة الحكم في البيت الأبيض هو فيما إذا كان الرجل سوف ينفذ ما وعد به قبل وخلال حملته الانتخابية والمتعلق بانسحاب قوات الاحتلال الأمريكية من العراق?.

والحقيقة ان هنالك تساؤلات عديدة أخرى لا بد أنها تتردد في الأذهان إن لم يكن بصورة أكثر إلحاحا وأهمية فهي على الأقل قد تكون بنفس الإلحاحية وربما الأهمية بعد ستة أعوام من غزو ومن ثم احتلال هذا البلد العربي من قبل قوات الاحتلال الأمريكية ومن تحالف معها من عرب وعجم، ومن بين تلك الأسئلة أو التساؤلات كيف هو الوضع في العراق وأين أصبح بعد هذه الفترة القبيحة من الاحتلال التي أودت بملايين القتلى والجرحى والمشردين واللاجئين داخل الوطن وخارجه؟ وهل أصبحت الأوضاع أفضل مما كانت عليه قبل هذا الاحتلال البربري؟ وهل تم فعلا منح الحرية للعراقيين كما وعد الرئيس الأمريكي السابق بوش الصغير؟ وهل تحققت الديمقراطية التي طالما "نعق" بها بوش وعصابته الآثمة؟ وهل ثمة أي مجال يمكن الحديث عنه بصورة فيها بعض من التفاؤل والايجابية بعد أن تم استلاب العراق ونهبه وتدميره وإعادته إلى العصر الحجري كما توعد وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر في جنيف خلال اجتماعه مع طارق عزيز - وزير الخارجية العراقي في حينه- قبل الحرب الأولى على العراق عام 1991؟

يمكن القول بدون تردد بأنه وحتى هذه اللحظة لا يمكن لمنصف أن يتحدث عن أي تقدم تم إحرازه على أي صعيد في بلاد الرافدين بعد الاحتلال، كما ان كل الشعارات الفارغة التي تم سوقها قبل وأثناء الاحتلال وحتى الآن لم تكن سوى شعارات فارغة استندت إلى مجموعة من الأكاذيب والأضاليل، هذا إذا ما غضضنا الطرف عن كل المبررات التي سيقت من اجل إخضاع هذا البلد واحتلاله والتي ثبت بما لا يدعو إلى الشك أنها كانت مبررات كاذبة مخادعة استندت إلى الفبركة والتزوير وقلب الحقائق بشكل غير مسبوق، وقد تورط فيها الكثير من القادة "عربانا وغربانا".

لقد كان حجم الكذب الذي مورس خلال التحضيرات للحرب وما بعدها اكبر من أن يتصوره أحد، وقد ثبت هذا من خلال كل التصريحات التي لم تتوقف عن الصدور - منذ انتهت الحرب وحتى الآن- من كل صوب وحدب وفي المقدمة تلك الصادرة عمن تورطوا بشكل مباشر في اتخاذ قرارات الغزو ومن ثم الاحتلال، وقد يكون آخر ما صدر في هذا الصدد ما صرحت به وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد كلينتون مادلين اولبرايت خلال انعقاد منتدى أمريكا والعالم الإسلامي في العاصمة القطرية في الفترة من 14 إلى 16 شباط 2009 حيث اعتبرت "أن الحرب على العراق كانت كارثة كبيرة"، اولبرايت هذه لم تتردد بالقول عندما كانت تشغل منصبها فيما إذا كان حجم الضحايا من العراقيين الناتج عن الحصار يستحق كل هذا الذي يجري لم تتردد بالإجابة - نعم انه يستحق-.

قبل عدة أيام وتحديدا في السادس عشر من آذار مارس نشر موقع أل بي بي سي نتيجة لاستطلاع للرأي أجري لصالح بي بي سي وايه بي سي نيوز وهيئة البث اليابانية في شهر فبراير/ شباط الماضي، وقد جاء في الاستطلاع ان 85 % من المستطلعة آرائهم - 2228 شخص- قالوا بان الوضع الحالي قد تحسن بشكل جيد أو جيد جدا فيما لو قورن بالأوضاع في السنة الماضية، بزيادة 23% مقارنة بالعام الماضي. فيما قال 52% بان الوضع الأمني تحسن عن العام الماضي بزيادة 16% عن استطلاع نظم العام الماضي، وهكذا يمضي موقع ال بي بي سي بالحديث عن تحسن في جميع المسائل حتى نهاية الاستطلاع، -الاستطلاع موجود على موقع بي بي سي العربي-.

الحقيقة اننا نورد هذه العينة من نتائج الاستطلاع للتدليل على حجم الخداع الذي تمارسه وسائل الإعلام الغربية التي تناغمت مع حكوماتها في فترة ما قبل وخلال وما بعد الحرب على العراق، فعلى سبيل المثال هنالك سؤال في اعتقادنا لم يتم توجيهه إلى المستجوبين أبدا وهو المتعلق بالمقارنة بين ما بعد الاحتلال سواء هذا العام أو أي من أعوام الاحتلال العجاف ومع الوضع ما قبل الاحتلال، هذا السؤال الذي يتم تجاهله باستمرار والذي نعتقد انه المقياس الحقيقي لنتائج الاحتلال والشعارات التي تم الحديث عنها لتبرير الحرب والاحتلال.

في الذكرى السادسة للاحتلال يمكن القول ان كثيرا مما رغبت الولايات المتحدة بتحقيقه لم يتحقق، لكن وبالمقابل فان الكثير من الأهداف قد تحقق، وفي هذا السياق يمكن الحديث مثلا عن تدمير العراق بشكل ممنهج كما تم تقويض أسس الدولة العراقية التي دفع أبناؤها الكثير من اجل الوصول بها إلى ما وصلت إليه كما تمت إعادته عشرات ان لم يكن مئات السنين الى الوراء، بالإضافة إلى إخراجه من حسابات المواجهة مع دولة الكيان العنصري بكل ما يشكل من ثقل اقتصادي وعسكري وبشري وعلى كل المستويات، كما تحول إلى واحد من أكثر البلدان فسادا في العالم هذا بالإضافة إلى تحويله إلى بلد يعاني من التخلف والفقر والجهل بعد أن كان يناطح العديد من الدول المتقدمة بعد أن حقق من التقدم الكثير في شتى المجالات.

لا شك ان الولايات المتحدة نجحت في إيقاع العراق من خلال من تم تنصيبهم على مقدراته بعد الغزو في مصيدة اتفاقية سميت بالأمنية هي في الحقيقة ليست سوى اتفاقية ترسيخ للسيطرة الأمريكية على العراق من خلال بعض البنود الغامضة والقابلة للتفسير على أكثر من وجه كالفقرة المتعلقة بالأوضاع الأمنية والتي تجيز للقوات الأمريكية البقاء في العراق أطول مدة من الزمن من خلال التذرع بعدم استقرار الأوضاع في هذا البلد.

إضافة إلى ذلك فان شيئا لا يمكن الحديث عنه بكثير من التفاؤل فيما يتعلق بالبنى التحتية والكهرباء والمياه وباقي الخدمات برغم توفر عشرات المليارات من الدولارات في الخزينة العراقية والتي يتم نهبها بشكل غير مسبوق من قبل القائمين على الحكم هناك هذا عدا عن التراجع في شتى المجالات الصحية والتعليمية والعسكرية والاقتصادية وغير ذلك.

أما ما لم تستطع الولايات المتحدة من تحقيقه فهو أيضا لا يقل أهمية عما استطاعت أن تفعل، فعلا سبيل المثال لا الحصر، فشل الغزو بتقسيم العراق الذي كان واحدا من أهم أسباب الغزو كما فشل في تحقيق حرب أهلية طالما تمناها كل أعداء العراق والأمة بغض النظر عن كل ما جرى من دماء في هذا البلد، كما لم تنجح أميركا بإخضاع البلد بالشكل الذي رامت حيث إن المقاومة العراقية - هنا نتحدث عن المقاومة التي تستهدف الاحتلال وليس عمليات الإرهاب التي تستهدف العراقيين - استطاعت أن تمنع بوش وزمرته من الاستمرار في غيهم وخططهم التي كانت تستهدف أكثر من دولة في المنطقة وفي غير المنطقة، بالإضافة إلى ذلك فقد فشلت الإدارة الأمريكية في السيطرة على النفط من خلال ما عرف بقانون النقط والذي كان يستهدف السيطرة على نفط العراق هذا النفط الذي يقدر الخبراء بأنه يمثل اكبر احتياطي في العالم وان آخر برميل من النفط في العالم سيكون في العراق وهو بدون شك كان احد أهم أسباب الغزو للعراق على الإطلاق.

برغم كل ما حدث في العراق على أيدي القوات الأمريكية وكل المحاولات التي لا زالت تبذل من اجل ترويض العراق وتحويله إلى بلد تابع ذليل للهيمنة الأمريكية إلا انه يمكن القول بكل يقين أن التمنيات الأمريكية تم إفشالها من خلال الضربات التي استطاعت المقاومة العراقية توجيهها للوجود الأمريكي هناك، هذه المقاومة التي إذا ما تنامت ونسقت جهودها كما هو متوقع مع تقليص أعداد قوات الاحتلال كما يرغب اوباما فإنها سوف تحقق انتصارا مشهودا على المحتل وأذنابه حتى ولو بعد حين.

19-3-2009

(99)    هل أعجبتك المقالة (97)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي