أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صانع القانون عندما يخالف القانون ... حسن بلال التل

لن اتطرق الى مسألة مقاضاة المكتب الدائم في مجلس النواب للكاتب الاستاذ خالد محادين رغم انها من المضحكات المبكيات ان يتحول حامي الحقوق والحريات، بل وصانعها الى جلاد يلاحقها، وما زاد الدهشة اكثر من ذلك ان في قانوننا تهمة جنائية هي الاساءة الى هيبة مجلس النواب، وهي التهمة التي كيفها الادعاء العام للاستاذ محادين والتي لم اسمع بها قبلا رغم انني دارس للقانون ما دفعني لاعتقاد من اثنين؛ إما أن هذه المادة القانونية قد أضيفت بعد ان أنهيت دراستي. وبالتالي فالذي أضافها هو إما المجلس الحالي او الذي سبقه وهذه سابقة خطيرة، حيث الاصل ان مجلس النواب واعضاءه ما هم الا جزء من صوت الشعب ومعبر عن ضميره. وبالتالي فلا يعقل ان يكون في القانون مادة تجرم انتقاد المجلس على اعتبار ان له هيبة تختلف او تسمو على هيبة الشعب والا لكان الأوجب بالنص ان يسمى الاساءة الى هيبة الشعب الاردني، اما الاعتقاد الآخر ان هذه التهمة قديمة في القانون ومن صنع مجالس او مشرعين آخرين، ولعدم معقوليّتها وتناقضها الواضح مع ذاتها اختار أساتذتنا في كلية الحقوق اهمالها وعدم التطرق لها. وهو امر اشد خطورة من سابقه لعاملين اثنين: الأول، ان المجتمع الاكاديمي والنخبة التربوية قد اختاروا اهمال هذا النص القانوني لأنهم يرون فيه خطأ فادحا او لاعتقادهم باستحالة تطبيقه يوما ومع ذلك لم يطالبوا بالغائه او تعديله في تقصير واضح في واجباتهم المجتمعية، والثاني، ان باختيارهم اهمال هذا النص قد قصروا في واجباتهم الاكاديمية بناء على قناعات شخصية فضلوا عدم مشاركتها مع طلابهم ربما استهتارا بعقولهم، وكذلك قصروا في واجبهم المجتمعي مرة اخرى، اذ ربما بنشر هذه المعلومة ومثيلاتها لربما تولدت مطالبة وطنية بتغيير مثل هذه الانظمة والقوانين التي تضر اكثر مما تفيد.
وبتوجيه النواب لهذه التهمة الى كاتب وصحفي عريق مثل الاستاذ محادين اقدموا على خطأين فادحين يقاربان او يزيدان على الخطأ الذي سبق ذكره، أولهما: ان هذا الاتهام بيّن حجم الانشقاق والخلافات داخل المجلس والتي تجلت واضحة عندما اعلن نواب كتلة الاخاء ان اعضاءهم في المكتب الدائم ليسوا على علم بهذه الدعوى وانهم قد طالبوا بسحبها مما يعني ان المجلس قد كسر نظامه الداخلي واصبح من الواضح ان هناك استبدادا بالرأي فيه، وهو مخالفة واضحة لروح الفكرة التي انشئت المجالس النيابية من اجلها وهي فكرة الديمقراطية، ومخالفة لروح وظيفة المجلس وهي صناعة القوانين لا تحطيمها، اضافة الى ان عددا من النواب قد عبروا عن رفضهم لهذه الدعوى، اما ثاني هذين الامرين، ان في تصرف المكتب الدائم مخالفة واضحة لروح وطبيعة العلاقة بين الشعب ومؤسسات السلطة والحكم في الاردن والتي تجلت مرات عدة في التصرفات الحكومية بل والملكية وقد يكون ابرزها ما قام به جلالة الحسين رحمه الله عندما اصدر الارادة الشهيرة بالعفو عمن شتمه، والتي ترجمها جلالة الملك عبد الله الثاني عندما وجّه رئيس حكومته آنذاك المهندس علي ابو الراغب الى شطب الفقرة المتعلقة بالاساءة الى ذات الملك من المادة القانونية المتعلقة بقدح المقامات العليا. والآن نرى مجلس النواب يهاجم صحفيا ويقاضيه لا لأنه قدح او ذم او شتم بل لانه ببساطه عبر عن رأي عام.
عموما لم يكن ما سبق هو المراد من المقال، فبشكل شخصي أظن أن هذا المجلس لم يرنا كل ما يستطيع ان يقوم به بعد من أخطاء تزداد، ومطالب بمكتسبات تتراكم، لان الاسلوب الذي جاء به هو اكبر دليل على اننا لم نحسن اختياره وبالتالي علينا ان نتحمل جريرة هذا الخطأ في الاختيار صامتين راضين. ولو كنت مكان الاستاذ محادين لما كتبت حرفا في هذا الشأن بل لبقيت صامتا محتملا نتيجة اختياراتي محتملا حرق دمي حتى ازول او يزول المسبب.
ما اردت ان اقوله لنوابنا: ان من الخطأ ان يتصرفوا على اساس النظرية البطريركية holier that Tahoe والتي تقول ان رجال الكنيسة أطهر أو أقدس من باقي البشر رغم انهم بشر يخطئون طوال الوقت كغيرهم من خلق الله، وكذلك النواب كمثل باقي الشعب يصيبون ويخطئون ولا تزال عالقة في الذاكرة عشرات من الحالات التي ارتكب فيها نواب من هذا المجلس وسابقاته من مجالس مخالفات قانونية عديدة وكبيرة بل وبعضها يندى له الجبين، لذا فلا عيب ولا ضرر في ان يعترف النائب بخطئه عندما يخطئ وعليه ان يتحمل النقد عندما ينتقد لانه في موقع عام ومن الطبيعي أن يتعرض للنقد.
ولأسوق مثالا صريحا واضحا قائما على مدى استخفاف واستهتار معظم النواب بالقوانين، سأطرح مثالا قائما للعيان وهو مخالفة معظم النواب لقانون السير الجديد الذي اقر في عهدهم الزاهر حيث أن معظم النواب لا يلتزمون باللوحات الجديدة والتي تلزمهم بكتابة الرقم 3 وهو مُميّز مجلس النواب متبوعا برقم السيارة، الا ان معظمهم يصر على الابقاء على اللوحات القديمة التي لا تحمل المميز او يضيف الى اللوحة كلمة مجلس النواب في صورة من حب المباهاة او الاستخفاف بعقل الشعب حيث يظنوننا لا ندرك ان الرقم 3 يعني مجلس النواب، وسواء علم المواطن هذه الحقيقة ام لم يعلمها فلا فرق اذ ان المواطن الذي بالكاد يحصل على خدمة من النائب وهو تحت القبة او اثناء تواجده في مكتبه، لن يهمه كثيرا ان يراجع النائب في سيارته، بينما النائب يهمه ان يعرف الناس انه نائب. لذا يخط على اللوحة بالقلم العريض عبارة مجلس النواب وأظن بعضهم لو امكنه لخطها على طول السيارة وعرضها

(91)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي