لا يزال محمود عبَّاس يتمترس في رفضه لتشكيل حكومة مصالحة وطنية وراء الشرط "حكومة لا تأتي بحصار"، ويتضمن هذا الشرط مطابقة الحكومة الفلسطينية لمواصفات ما يسمى "المجتمع الدولي"، ويتجاهل مهندس اتفاقيات أوسلو عبَّاس أن سلطة أوسلو المشئومة هي التي أتت بالحصار، والعار، وبفريق من السماسرة بقيادته!
ولا شك أن تشبث عبَّاس بتلبية الحكومة الفلسطينية لشروط المجتمع الدولي وكيان الاحتلال الصهيوني يأتي منسجماً مع طبيعة سلطة أوسلو، ولولا ذلك لما تجرأ عبَّاس على تعليق المصالحة على ذلك الشرط المهين، الذي لا يمكن أن تقبله أي دولة في العالم ذات سيادة وكرامة! وسبب ذلك أن المجتمع الدولي لم يأت بهذه السلطة تحت مسمى "السلطة الوطنية الفلسطينية" بديلاً عن الاحتلال، وإنما جاء بها لتكون وكيلاً للاحتلال، لمساعدته في التخلص من عبئ التحكم في حياة ملايين الفلسطينيين في الضفة وغزة، ولإعفاء جيش الاحتلال الصهيوني من تبعات الاحتكاك المباشر بالفلسطينيين، ولا سيما بعد أن تصاعدت المقاومة المسلحة ضد الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى، وأصبحت تشكل كابوساً مزعجاً للكيان الصهيوني، واستنزافاً خطيراً لجيشه واقتصاده وأمنه.
إن اتفاقيات أوسلو هي التي أعطت للاحتلال حق التحكم الكامل بالحدود والمعابر والبر والبحر، وربطت قيام الأجهزة الأمنية لسلطة أوسلو بالتنسيق الأمني مع الاحتلال وحماية أمنه وملاحقة المقاومين شرطاً إلزامياً لفتح الحدود والمعابر، مع إبقائها تحت المراقبة والتحكم الصهيوني الكامل، واستمرت هذه الحالة المخزية حتى بعد نجاح المقاومة في دحر الاحتلال وإخراجه صاغراً من غزة، فقد عقد سماسرة أوسلو ما يسمى "اتفاقية المعابر" مع الاحتلال في 2005، التي جعلت الهواجس الأمنية الصهيونية فوق أي اعتبارات أخرى تتعلق بفتح معبر رفح، والتي لا يزال عبَّاس وفريقه يصرون على إلزام الحكومة الفلسطينية بها وشرطاً للمصالحة. وشعبنا الفلسطيني يجني اليوم ثمار أوسلو الخبيثة ويتجرعها بمرارة، التي تحولت إلى أرصدة مالية (حرام) ووجاهة (زائفة) وسلطة (فاسدة) للسماسرة!
ومع إصرار عبَّاس على شرطه غير الوطني، يحق لنا أن نتساءل عن جدوى الحوار الذي نتطلع جميعاً إلى نجاحه في إنهاء حالة الصراع الداخلي؟! ولكن من الواضح أن هدف عبَّاس من الحوار هو إلزام حركة حماس والفصائل المناهضة لعملية التسوية الاستسلامية باتفاقيات أوسلو وخطة خريطة الطريق الأمريكية المرفوضة جملة وتفصيلاً، ولا يهدف عبَّاس في الحقيقة إلى إنهاء حالة الانقسام وفك الحصار عن غزة، إذ بمجرد وضع هذا الشرط أمام تشكيل الحكومة كفيل بنسف كل جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية، إضافة إلى أن عبَّاس وسماسرة أوسلو الآخرين يساهمون في الحصار ثم يعيِّرون الحكومة به. وهذا يدل على أن عبَّاس يستخدم حصار غزة وحاجتها إلى الإعمار للضغط على فصائل المقاومة المناهضة للتسوية وحركة حماس تحديداً، وكسر إرادة شعبنا الفلسطيني وإجباره على الاستسلام للاحتلال ورعاته.
ومن البديهي القول إن تمسك عبَّاس وجماعته في حركة فتح بالشرط "حكومة لا تأتي بحصار"، وبشرط "رئاسة سلام فيَّاض" لحكومة المصالحة، يدل على أن عبَّاس وفريقه لا يعملون لمصلحة شعبنا ولا حتى لمصلحة حركة فتح، التي يمثلونها في الحوار والصراع الداخلي، فمنذ متى كان فيَّاض حريصاً على حركة فتح ومقبولاً لديها؟! ولكن واضح أن عبَّاس وفريقه يمثلون المطالب الصهيوأوروأمريكية التي يدعمها محور الاعتدال العربي، ويعبرون عن مصالح التيار المتصهين المسيطر على حركة فتح، وهو تيار من السماسرة المتاجرين بفلسطين وشعبها من أجل مصالحهم الشخصية والفئوية.
إذاً يريد عبَّاس ألا تأتي الحكومة الفلسطينية بحصار، وأن يكون هو على رأس السلطة، ولهذا فهو حريص على ربط انتخابات ما يسمى بالرئاسة بانتخابات المجلس التشريعي، ليُقال عنه أنه رئيس شرعي للشعب الفلسطيني!! والغريب أن محور الاعتدال العربي يدعم هؤلاء السماسرة وعبَّاس على رأسهم، ويسعى لتبني منهج موحد للسياسات العربية لمواجهة التحدي الذي يفرضه عليه صمود شعبنا الفلسطيني وثباته ورفضه الاستسلام!!
15/3/2009
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية