الفرنسيون يتناولون حوالي 400 صنف من الجبن، ويعتبرون خبز الكرواسون من ملامح الهوية الوطنية، ويرشقون مطاعم الوجبات السريعة اميركية المنشأ بالطماطم والبيض الفاسد، ويثمنون عاليا مسائل الحب في الحياة وفى إبداعهم الأدبي والفني، ويمقتون الذوبان في شخصية اوروبا الموحدة، ولمثل هذه الاسباب وغيرها انسحبت فرنسا الديجولية من الجناح العسكري لحلف شمال الاطلسي عام 66، واجرت تجارب نووية ـ رغم حظرها ـ لتتمتع بمقومات قوة مستقلة..فلماذا الآن تعود الى حظيرة الناتو على يدي نيكولا ساركوزي؟.
لست معنيا بتحري الاسباب الحقيقية وراء هذه العودة، وربما تكون حنينا فرنسيا لازمنة الاستعمار الخوالي يحاول استعادة بعض ما فقده بالركوب في قطار الاطلسي، ولا يمكن القول ان هذا التوجه له علاقة بالجذور الشرق اوروبية لسيد قصر الاليزيه والاصل الايطالي لزوجته كارلا بروني، لكن تحالف خبز الكرواسون وفطائر البيتزا وكعك الدونت قد يكون ضرورة تمليها مصالح فرنسا الساعية للحصول على نصيب من الغنائم الشرق اوسطية تعكسه جولات ساركوزي المكوكية في المنطقة، رغم التفرد الفرنسي الرافض لشن حرب على العراق في البداية.
وكما في فيلم (عودة الابن الضال) للمخرج الفرانكوفوني يوسف شاهين، فالعودة الساركوزية الى حضن الناتو الدافئ ليس متوقعا لها ان تحدث تغيرات درامية في نشاط الحزب الذي فقد طبيعته الدفاعية وتحول الى أداة عدوانية لقهر إرادة الشعوب وإسقاط الانظمة ومحاولة تغيير خرائط الجغرافيا السياسية و..كما ان هذه العودة لن تكبح النزعة الوطنية الفرنسية العاشقة للاستقلال والحفاظ على الهوية والرافضة لهيمنة الأخ الاكبر على الضفة الاخرى للمحيط الاطلسي..وهي امور قد يسدد نيكولا ساركوزي ثمنا فادحا للتخلي عنها، قد تتضح معالمه في أول انتخابات فرنسية قادمة.
جريدة الوطن العمانية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية