أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حلم المعتقلين في أقبية المخابرات..مملكة الحيتان والأسماك في سجن "عدرا"

شهد سجن عدرا تمرّداً من السجناء بسبب الأوضاع المزرية داخله عام 2007 وإضراباً عن الطعام عام 2009

يوصف السجن بأنه عالم التفاصيل الصغيرة بامتياز، ومع ذلك فليس داخل جدرانه الصماء سوى تفاصيل تنسج الشياطين والآلهة، الرحمة واللعنة، الحب والكراهية الحرية والأسر وأخيراً الحياة والموت، وقريباً من هذا الوصف يبدو سجن عدرا الواقع شمال شرق دمشق أشبه ببحر تبتلع حيتانه الكبيرة الأسماك الصغيرة، وكل شيء داخله بحساب، تعليمة الموبايل بكذا ليرة، النومة لليلة واحدة في السرير بتلك الحسبة، وما يأتي للسجين من أهله من مبالغ بشق النفس سرعان ما يذهب نصفها كرشى لمأموري وعناصر السجن، وحالات أخرى ‏تعكس الواقع المظلم لواحد من أكبر السجون المدنية في سوريا. 

الشاب "خالد الشامي" -اسم مستعار- معتقل سابق قضى بين جدران عدرا قرابة الثلاث سنوات يتذكر أدق التفاصيل من داخل السجن الذي يمتد على مساحة كبيرة تبلغ نحو 10 هكتارات، ويحتوي بين جدرانه حوالي 11 ألف معتقل على أقل تقدير. 

ذات يوم اعتقل "الشامي" من قبل عناصر من فرع "أمن الدولة" بدمشق على أحد الحواجز الطيارة، وتم اقتياده إلى الفرع (251) المعروف باسم "فرع الخطيب"، ويتبع لإدارة (أمن الدولة 285) في "كفر سوسة"، وتم التحقيق معه لما يقارب الشهرين بتهمة حمل السلاح والمشاركة بعمليات قتال ضد جيش النظام في إحدى بلدات الغوطة، وتعرّض خلال التحقيق -كما يروي لـ"زمان الوصل"- لأقسى أنواع التعذيب بالشبح والكهرباء حيناً، والدولاب والضرب على كل أنحاء الجسم مع الإهانة والإذلال والشتائم في أحايين كثيرة.

وكشف محدثنا أن محققاً يُدعى "أبو محمد" حقق معه 4 مرات وفي المرات اللاحقة حقق معه رئيس قسم التحقيق في فرع الخطيب "عبد المنعم النعسان" من مدينة حماة، وتمت إحالته بعد ما يقارب 10 أشهر إلى فرع إدارة "أمن الدولة" (285) لتثبيت أقواله.

وتنقسم الإدارة، حسب محدثنا- إلى 4 سجون كل سجن مستقل بذاته، ولكل منها بابه المطل على ساحة عامة، وأقسى هذه السجون ما يُسمى بـ"المركزي" وهو عبارة عن طابقين تحت الأرض بنفس نظام "صيدنايا"، وفي كل مهجع كاميرا موصولة مباشرة بكمبيوتر رئيس الفرع، ما كان يحد من حركة المساجين. 

كان نقل المعتقل إلى سجن "عدرا" بمثابة حلم لكل معتقل داخل فروع المخابرات أو سجن "صيدنايا"، حتى ولو كانت النتيجة الحكم المؤبد، وهذا ما تحقق لـ"الشامي" الذي تم تحويله إلى السجن المدني بعد أكثر من سنة وشهر قضاهما بين فرعي "الخطيب" والإدارة، ويحتوي سجن عدرا على 14 جناحًا موزعة حسب أنواع الجرائم، فعلى سبيل المثال لا الحصر خُصّصَ الجناح 11 والجناح 12 لجرائم المخدرات، وهو معزول عن باقي الأجنحة لمنع اختلاط تجار المخدرات مع باقي النزلاء في السجن، كما أنّ الجناح الثاني معزول ويضم السجناء من الأصوليين والإسلاميين في حين يضمّ الجناح السابع مجرمي الدعارة والجرائم الأخلاقية وهكذا.

وخُصص لكل جناح ضابط برتبة رائد أو نقيب أو ملازم أول بمثابة مشرف عليه والظاهرة البارزة لدى كل منهم دون استثناء هو تلقي الرشوة لأدنى سبب، فإذا وقع إشكال بين معتقلين وكان الضابط مزعوجاً من أحدهما يستطيع أن يكتب في الضبط ما يشاء ويقلب الموضوع لصالح المعتقل الآخر، وإذا اكتشف من خلال "عواينيته" أن شابين يقرآن القرآن يستطيع أن يلفق لهما تهمة نشر أفكار سلفية أو تنظيم خلايا إسلامية داخل السجن وخارجه، ويتم نقلهما إلى الجناح ٣ المخصص للمعاقبين، ولا تقتصر الرشوة -حسب محدثنا- على ضباط السجن بل على صف الضباط والموظفين المدنيين، فعندما يأتي أقارب السجين لإعطائه أموالاً يتدبر بها نفسه وهي عادة لا تتعدى 20 الفاً يذهب أكثر من نصفها رشى للشرطي ومساعد الشبك وشرطي باب النص وشرطي باب الجناح والمفرزة، والسجين مضطر -حسب محدثنا- لأن يدفع تفادياً لأي مشكلة يفتعلها هؤلاء قد تودي به إلى المنفردات.

وروى "الشامي" قصة شهدها بنفسه عن معتقل يُدعى "ع.ق" من مدينة حمص كان يبوح أمام نزلاء السجن بأنه كان قائداً لمجموعة تابعة للجيش الحر، وهي إحدى المجموعات التي أذاقت النظام الويلات في حمص القديمة، وكان في ذات الزنزانة سجين يدعى "إ.ص" علوي مسجون بتهمة الإرهاب ومع ذلك دأب على سب الثورة والثوار فتلاسن معه وتضاربا ووصل الخبر إلى مشرف الجناح، وادعى "إ.ص" أن غريمه "ع.ق" توعد بذبح شرطة السجن والضباط العلوية والشيعة وتعليق رؤوسهم في الحمامات إذا حصل استعصاء وعصيان داخل السجن.

وتابع محدثنا أن الخبر وصل إلى الضابط المسؤول الذي دخل إلى غرفة "ع.ق" مع 4 عناصر من مفرزة التحقيق، وتم تفتيشه واقتياده إلى التحقيق وإنزاله بعدها إلى المنفردات (الاحترازية) بلغة السجن وبعد التعذيب الشديد تم نقله "فرطعة" إلى (جناح 13) المخصص للذين يُعاقبون في أمور تخص الدين.

وكشف محدثنا أن السجين المذكور موقوف منذ العام 2014 ولم تأته أي زيارة من أهله، ويعمل في تصميم مشغولات الخرز ليؤمن ثمن دخانه وبطاقة حصالة يتواصل من خلالها مع أهله. 

والظاهرة الأخرى في سجن عدرا–حسب المعتقل السابق– هم العواينية أو الجواسيس الذين يتم زجهم ين السجناء لنقل أخبارهم وتحركاتهم للضباط ومنهم مسؤول الاستوديو المدعو (علي منصور) وهو شبيح من ريف حماة كان يعمل لصالح رئيس قسم التوجيه والتأهيل (الرائد فراس).

ودأب على رفع تقارير كيدية بحق المساجين إلى فرع السياسية خارج السجن، وهناك (رأفت الأحمر) المعروف بأنه "زلمة" السياسية وهو من مدينة "التل" بريف دمشق، ومساعد السياسية "أسامة أبو علي"، وكذلك "سامر سماق" من (مكتب البحث الاجتماعي) ويعمل لصالح المقدم "محمد بنيان" (رئيس قسم الحراسات) ومن ضباط السجن الطائفيين الذين يمارسون التشبيح والابتزاز المالي بحق معتقلي عدرا رئيس قسم التحقيق الرائد "عامر علي" ورئيس مفرزة التحقيق النقيب "ياسر عيسى". 

وشهد سجن عدرا تمرّداً من السجناء بسبب الأوضاع المزرية داخله عام 2007 وإضراباً عن الطعام عام 2009.

وخلال زيارة بعثة المراقبين العرب إلى سوريا بعد اندلاع الثورة عام 2011، قام سجناء الرأي بتنفيذ إضراب عن الطعام، وذلك بعد أن زار المراقبون العرب السجن من دون أن يلتقوا بالسجناء.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(205)    هل أعجبتك المقالة (195)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي