منذ بوادر الحرب على العراق ومن بعدها سقوط بغداد دخلت الأمتان العربية والاسلامية عموما والعربية خصوصا في حالة غريبة من التشرذم والصراع الداخلي غير المسبوق الذي تلاه التخندق غير المحمود، والذي تبلور بعد العام 2006 والعدوان على لبنان فيما اصبح يعرف بمعسكر الاعتدال، ومعسكر الممانعة او (المعسكر الارهابي ومحور الشر حسب وصف بوش الصغير -قبح الله ذكره-) واخذت الصورة تزداد قتامة يوما بعد يوم مع تعالي اصوات من كنا نظنهم عربا او مسلمين وهم يهاجمون المقاومة الاسلامية في مختلف بقاع الارض ويثنون على قصف العراق وحرق افغانستان وحتى انهم برروا ودافعوا عن اسرائيل في اعتدائها الاخير على غزة، لكن هذا الاعتداء كان نقطة الفيصل في هذه المعركة التي ارتدت ثوب الصراعات الازلية -صراع الخير والشر- حيث بعدها لم يعد هناك مجال للمحاباة والمجاملة ولاول مرة انقسم العالم العربي والاسلامي بوضوح شديد بين معسكر ممانع او مقاوم وآخر مهادن او مسلّم، وربما في حينها لم ينج سوى الاردن من هذه المعادلة عندما اختار الحياد وبقيت جهوده كلها منصبة نحو انقاذ ومساعدة الاخوة في غزة بعيدا عن حسابات السياسة والساسة.
ومنذ العدوان على العراق وما قبله كان لنا في (اللواء) شرف الانضمام الى «معسكر الارهاب ومحور الشر» حيث كنا ومازلنا جزءا وناصرا لمعسكر المقاومة بالكلمة والقلم وسننصرهم بالدم لو لزم ذلك، وقد احتملنا كما احتمل غيرنا الكثير بسبب هذا الموقف ودفعنا ضريبته مرارا، وكنا دوما نحتسب ذلك عند الله كجزءا بسيط من واجبنا تجاه اخوتنا في الله وفي الفكر والفكرة على اختلاف مواقعهم او مذاهبهم، فطالما ان الهدف واحد والسبيل واحد فستبقى الاختلافات الشخصية والفردية مسألة هامشية لاتؤثر في النهج العام، وطالما ان النهج سليم قويم فان الاختلافات البسيطة غير مؤثرة او قادرة على التأثير في المنهج، وحتى لو خرج البعض عن النهج فهذا لا يعيب النهج بل يعيب الخارجين عنه.
عموما ليس هذا سبب المقال ولا موضوعه لكن ما اردنا قوله هنا ان العرب عندما قالت: (لا يصح الا الصحيح) فان هذه المقولة لم تأت من فراغ بل كان وراءها تراث وتجربة تثبت ذلك، فبعد قرابة عقد من العنجهية الامريكية والاوروبية وحتى الاسرائيلية تجاه الامتين العربية والاسلامية، تكشف لهؤلاء، بسبب تغير الساسة او السياسات حينا وبسبب فرض الواقع نفسه على الساحة في اغلب الاحيان، تكشف لهؤلاء انه لا يصح الا الصحيح وهو في هذه الحالة اننا أمة مازال بها كثير من الحياة، ومازالت قادرة على الممناعة والمقاومة وحتى إن كبونا فان الكبوة لا تطول وان سقط منا فرد او جماعة فهي لا تسقط بصمت ولا تسقط بلا كثير من القتال، لقد اثبتنا ببساطة اننا لن نسمح للظلام أن يطوينا أو يمحو هويتنا وما نمثله، وان النهج القويم نهج الاسلام والعروبة ونهج النبي المجاهد هو النهج المنتصر مهما طال به الزمن، او كثر حوله المتآمرون والطاعنون في الظهر.
فخلال الايام القليلة الماضية أثبت هذا الكلام صدقه وقوته وصحته بأبلغ الوسائل الممكنة وهي اعتراف الخصم به اعترافا عمليا سبقه اعتراف معنوي، ففي اللاسبوع الماضي والذي سبقه تحولت منظمة حماس بصورة عجائبية من منظمة ارهابية شريرة خارجة على الشرعية الدولية الى منظمة تحرر وطني ذات صبغة دولية واعيد اعتبارها في المحافل الدولية كممثل للشعب الفلسطيني افرزته انتخابات شرعية ونزيهة، واصبح الكل يتقرب منها وحتى الرئيس الامريكي الذي كان مثل سابقه ولازال عدوها الاول والمطالب بالقضاء عليها، ارسل احد اهم سيناتورات امريكا والمرشح القوي السابق لانتخابات الرئاسة جون كيري ليزور غزة وبالتأكيد ليفتح بابا ولو خلفيا للتفاوض مع حماس والتقرب منها.
أما الشقيقة سوريا فحدث عن التغزل والتقرب الغربي منها ولا حرج، فبعد ان كانت تعد في قلب «محور الشر» وخضعت للتهديد بالقصف والحصار ومحاولات الابتزاز العديدة واتهامها بدعم الارهاب لانها تستضيف قادة حماس وتدعم نهج وفكر حزب الله، اصبحت القبلة الاولى للمبعوثين الدوليين والسفراء الغربيين، واصبح التمسح والتبرك بأعتاب دمشق واجبا شرعيا لكل مسؤول غربي يزور المنطقة، ببساطة لان دمشق كانت ومازالت رقما صعبا في المعادلة العربية وفي المنطقة، واثبتت بممانعتها ومقاومتها ورفضها الخنوع والتذلل والانقياد وراء الغرب انها الاقوى، وفرضت على الجميع التقرب منها وقبولها، حتى ان بعض العرب الذي قالوا فيها وفعلوا ضدها الكثير اضطروا امام الانصياع الغربي الى اللحوق بالغرب واعترفوا ولو ضمنا بالهزيمة امام ما كان يوما معسكر الشر.
وكذلك كان الحال مع حزب الله الذي اثبت وجوده رغم انف القاصي والداني والذي اظن الجميع سمع اعتراف واعتزاز رئيس الوزراء اللبناني به في خطابه الاخير وهو ذات الرجل الذي كان قيل ايام قليلة يصر على ان حزب الله قد هزم في حربه مع اسرائيل عام2006 وكان يصر اكثر على ان الحزب قد جر الدمار على لبنان والمنطقة وانه يعمل وفق اجندات خارجية، لكان ما ان تغيرت الريح واثبت صمود الحزب جدواه وانهال الممثلون والمندوبون الدوليون يخطبون ود الحزب حتى انقلب السنيورة على نفسه واصبح يعلنها بالفم الملآن (لقد انتصر لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته) .... فسبحان الذي يغير ولا يتغير.
اما رأس حربة «الارهاب» وبالتالي اول من خطب وده فكانت ايران التي لم يمل العالم كله منذ اعلان الثورة الاسلامية فيها، لم يمل من معاداتها واتهامها بكل ما يخطر بالبال من تهم، ووصفها بأشد ما يمكن وصفه من صفات بلغت مبالغ اثارة الضحك من مطلقيها، حتى اصبح مفاعل لانتاج الكهرباء في طهران اخطر من قنبلة هيروشيما واخطر ممن استعملوها، ولا ننسى انهم اول وآخر من استعمل هذا السلاح وانهم حتى اللحظة جزء من قلة قليلة في العالم ترفض حظره... فعجبا.
كل ما سبق يصب في خانتين، اولاهما: ان الثبات على المنهج القويم هو ليس الدرب الصحيح فحسب بل هو الدرب الوحيد وهو الدرب الذي يثمر، وثانيتهما: ان ما يجري في السودان واستهداف الرئيس البشير انما هو محاولة جديدة لتركيع هذه الامة من باب مختلف، لكن البشير ودرب الامة المقاوم سيصمد وسينتصر فزمن الخضوع والانقياد قد ولا ولا نظنه راجعا، المهم فقط هو ان نصمد وان نتوقف عن نهش لحوم بعضنا بعضا، فوالله لقد اكل الثور الابيض والاحمر والاسود، ولم يبق في الكنانة سوى السهم الاخير
مدير تحرير صحيفة اللواء الاردنية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية