عادت قوائم المطلوبين إلى حوران بعد نشر الحواجز العسكرية والأمنية بين قراها وبلداتها، فلا يكاد يمر يوم دون تسجيل حالات اعتقال لشبان مدرجة أسماؤهم في لوائح الفروع الأمنية والخدمة العسكرية، وهذا ما أثقل كاهل المدنيين وحدّ من حركتهم وجعلهم يعيشون حالة شبيهة بالحصار، لأن المرور على الحواجز أصبح كابوسا وأشبه بالانتحار.
الاعتقالات لم تقتصر على الذكور بل طالت الإناث، وهذا ما يثبت أن نظام الأسد يسعى للانتقام وإذلال أهل المحافظة، لأنهم كانوا سببا في إشعال فتيل الثورة، ولأن السبب المباشر في انطلاق ثورتهم كان اعتقال الأطفال الذين كتبوا على جدار مدرستهم شعارات الحرية.
وقبل أيام اعتقلت قوات الأسد 14 طالبا جامعيا من بلدة "بصر الحرير" شرقي درعا، أثناء ذهابهم إلى دراستهم ومرورهم على حاجز عسكري يفصل بين البلدة ومحافظة السويداء، ولم تفلح محاولات الأهالي في الإفراج عنهم بالرغم من أن غالبيتهم يحمل بطاقات التسوية، مع أن اتفاق "المصالحة" أعطى مهلة ستة شهور لمن يرغب بتسوية وضعه دون اعتقال.
الشاب "محمد أمين" روى لـ"زمان الوصل" ما جرى له عند مراجعة دوائر النظام لاستخراج وثائق مهمة، وقال: "تزوجت عندما كانت مدينتي (الحراك) محررة في عام 2014، ورزقت بطفلين، ولكن بعد سيطرة نظام الأسد على المنطقة اضطررت للذهاب إلى مدينة (ازرع) من أجل استخراج دفتر عائلة وتسجيل الزواج والأطفال، ولكن الموظفين في دائرة النفوس قالوا لي، إنه يتوجب علي مراجعة فرع الأمن العسكري في السويداء".
وأضاف: "قلت لهم إنني أحمل بطاقة التسوية، لكنهم قالوا لي: (بلها واشرب ميتها). هكذا وبكل اختصار، ذهبت إلى مدينتي ولم أعد أجرؤ على مغادرتها خوفا من الاعتقال".
*صلاحيات وثائق التسوية
تم تسجيل اعتقال عشرات الأشخاص ممن وقعوا على ورقة التسوية، بالرغم من صدور تعميم مما يسمى "شعبة المخابرات العامة" يقضي بعدم اعتراض حامل هذه التسوية أو اعتقاله، لكن الحواجز الأمنية والعسكرية تتجاهل هذا القرار وتعتقل في كل يوم أشخاصا يخرجون من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الجيش الحر.
كما تقارب "مهلة" الشهور الستة المتعلقة بالخدمة الإلزامية على الانتهاء، وهي الفترة التي ينبغي على المطلوبين بعدها الالتحاق بالخدمة، لكن الواضح أن قوات الأسد لم تتقيد بهذه المهلة ولا تسمح بالعبور لحاملي التأجيل أو وثيقة "المصالحة"، وتسوق الشبان الذين في عمر الخدمة الإلزامية.
الناشط "محمد خليل" أفاد بأن الاعتقالات تتم بشكل يومي سواء عبر الحواجز العسكرية المنتشرة بين المدن والبلدات، أو من خلال الأفرع الأمنية التي تكثر من إرسال بلاغات الاستدعاء لأشخاص مطلوبين حتى لو كانوا يحملون وثيقة "المصالحة"، مشيرا إلى أن حالات الاعتقال طالت الكبار بالسن والنساء والشبان.
وفي حديث لـ"زمان الوصل"، أكد "الخليل" على أن هناك حالة تكتم إعلامي كبيرة إزاء ما يجري ضد المدنيين، وأن الحصار عاد ليفرض على آلاف الشبان الذين لا يستطيعون مغادرة قراهم خوفا من الاعتقال أو السوق للخدمة العسكرية، مشددا على أن كل القرى والبلدات شهدت حالات اعتقال ويوجد أعداد كبيرة من المعتقلين لا يعرف مكان اعتقالهم.
وفيما يتعلق بـ"التسويات" أوضح "الخليل" أن لجان التسوية تقوم بعمل المحققين تستجوب الأشخاص وتأخذ منهم ما تريد من معلومات، ومن بعد ذلك تماطل في تسليمهم البطاقات التي تصدر عنها والتي تخولهم الخروج من المدن التي حوصرت بالحواجز، ومن لا يحمل البطاقة قد يعرض نفسه للاعتقال.
وقال "الخليل": "اللجان المخولة من قبل نظام الأسد بإصدار بطاقات التسوية، لم تعد تصدر بطاقات إلا برشوة، والحجج دائما هي عدم وجود كاميرات تصوير أو بطاقات فارغة للطباعة"، مضيفا: "نظام الأسد يتقصد إبقاء حالة الحصار على الشبان وعزلهم ضمن إجراء عقابي، ليتم بعد ذلك اقتيادهم إلى السجون أو إلى الخدمة الإلزامية".
*الاعتقال لا يغادر عقلية النظام
المعروف عن النظام أنه نظام أمني واستخباراتي بامتياز، فسوريا في عهد الأسد امتلأت بالسجون وفروع الموت، والعالم بأسره سمع عن سجون "تدمر وصيدنايا وفرع فلسطين" التي قتل فيها عشرات آلاف السوريين بطرق مختلفة تلذذ فيها الجلاد في طرق تعذيب الضحية.
الصحفي "عباس الديري" أبدى استغرابه عند سماع عبارة "المصالحات" لأنه لا يمكن التصالح مع نظام قتل ودمر وهجر، محمّلا من أسماهم "عرّابي المصالحات" مسؤولية ما آلت إليه الأمور في حوران من قمع واعتقالات وعودة السطوة الأمنية التي لا تعرف إلا لغة الإجرام وإذلال الشعب.
وقال لـ"زمان الوصل": "منذ انقلاب حافظ الأسد على السلطة، أعطى الأفرع الأمنية صلاحيات كبيرة في اعتقال وقتل من تريد من الشعب. هكذا عقلية نظام الأسد، ومخطئ من يظن أنه سيتغير رغم مرور عقود طويلة على هذا الفكر، فهي أصل وجوده والسبب الرئيسي في بقائه واستمراره إلى هذا اليوم".
وتوقع "الديري" تفاقم حالة الاعتقالات، خصوصا في درعا وريفها، لأن نظام الأسد يعرف جيدا أنها السبب المباشر لانطلاق الثورة التي هددت كيانه، ولهذا سيعمل في الأيام المقبلة على الانتقام منها ومن شعبها، مشيرا إلى أن ما نسمع عنه اليوم من اعتقال للشباب هو بداية المخططات، التي عبّرت عنها صفحات الشبيحة والموالاة، والتي طالبت علنا بإبادة هذه المحافظة ومسحها عن ظهر الأرض.
واعتبر "الديري" أن من أوصل حوران إلى هذا الحال، هم قادة المصالحات، الذين أوهموا المدنيين بالضمانات الروسية، رغم معرفتهم بالغدر الروسي ونوايا نظام الأسد الانتقامية، لافتا إلى أن غالبيتهم غادر خارج سوريا بعد تأمين أهله وأقاربه في دول مجاورة، ولهذا "لا يهمهم الطوفان بعد ذلك".
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية