*تعتمد دستور 1950 وقوانينه، إلا ما تعارض منها مع أحكام الشريعة ومبادئ الثورة
*المبادرة التي بدأت بعدد قليل للغاية من القضاة المنشقين، تضم اليوم نحو 100 قاض يديرون سلسلة من المحاكم موزعة في أنحاء ريف حلب
قال مراسل "زمان الوصل" في حلب، إن يوم الأربعاء شهد إطلاق أهم وأعلى هيئة قضائية في عموم سوريا الحرة، متمثلة في محكمة النقض، بعد جهود مكثفة استمرت قرابة عمل ونصف من تأسيس وترسيخ وإصلاح المحاكم في عموم مناطق ريف حلب المحررة.
وأشار المراسل إلى أن رئاسة محكمة النقض أسندت للقاضي "خير الله غنوم"، الذي يتمتع بخبرة قضائية تمتد لعقود، تولى خلالها مناصب ومهام متعددة، كان آخرها محكمة الاستئناف بحمص، وذلك قبل إعلان انشقاقه عن النظام.
وإلى جانب "غنوم" يعمل في هذه المحكمة، مستشاران هما: حسين إبراهيم ومصطفى العويد.
ونقل مراسلنا عن مصدر في القضاء الحر، قوله إن محكمة النقض التي تم إطلاقها اليوم تعد ثمرة مبادرة عمل عليها في البداية عدد قليل من القضاة المشنقين، وتمثلت في إصرارهم على تأسيس وترسيخ سلطة القضاء في مناطق ريف حلب الشمالي، لاسيما بعد تحرير جرابلس.
وقال المصدر إن مبادرة القضاة المنشقين تميزت ببعدها عن أي أجندات أو تبعية، وبرفضها لأي تمويل خارجي، إيمانا من هؤلاء بمدى الضرر الذي ألحقته التبعية والارتهان للتمويل الخارجي من أضرار بمؤسسات ثورية كثيرة، وتحقيقا لمبدأ استقلالية القضاء بحرفيته وحذافيره.
ونوه المصدر بأن المبادرة التي انطلقت بعدد قليل للغاية من المنشقين، صارت اليوم كيانا قويا يضم بين جناحيه قرابة 100 قاضي، قسم منها منشق عن النظام والقسم الآخر من المحامين الأحرار اللذين عملوا في المجال القضائي خلال الثورة جنبا إلى جنب مع القضاة المنشقين، وكلهم يتولون سلسلة محاكم تتوزع في أنحاء ريف حلب، الذي بات يمثل سوريا مصغرة، وبات يؤوي وافدين من كل مناطق البلاد.
وتابع: وجود 100 قاضي في منطقة جغرافية محدودة من سوريا هو مؤشر مهم، ويفسح المجال أمام تيسير وتسريع إجراءات التقاضي، علما أن العدد الإجمالي لكل قضاة سوريا كان يناهز ألف قاض قبل اندلاع الثورة، ولنا أن نتخيل من هذا العدد، مدى الجهد المبذول في الشمال السوري المحرر من أجل إقامة بنية قضائية راسخة ومتينة.
وذكر المصدر لمراسلنا عددا من تلك المحاكم، ومن بينها محاكم: الباب، جرابلس، مارع، صوران، أخترين قباسين، الراعي، بزاعة...، منوها بأن إطلاق محكمة النقض تزامن أيضا مع إطلاق محكمتي الاستئناف والجنايات في "عفرين"، التي شهدت ترميم قصر العدل فيها وتأهيله، وحفظ جميع السجلات التي كانت فيه.
وعن تبعية القضاة المنشقين والجهة التي يعملون لصالحها، قال المصدر القضائي إن القضاة لايتبعون لأي جهة كانت بما فيها الائتلاف والحكومة المؤقتة، مؤكدا أنهم ينضوون تحت ما يمكن تسميته "مجلس القضاء الأعلى في سوريا الحرة"، والذي يتكون أساسا من رئيس محكمة النقض ومستشاريه، والنائب العام التمييزي القاضي علي عيسى، ورئيس التفتيش القضائي القاضي محمد قاسم ناصر.
وحول أهمية ودلالة إطلاق محكمة للنقض، أفاد المصدر القضائي أن سوريا كلها فيها محكمة نقض واحدة مقرها دمشق، وأن إطلاق محكمة نقض تابعة لسوريا الحرة هو بمثابة تحد للنظام وتكذيب لكل ما ساقه من دعايات حول عجز الثورة عن إقامة بنية مؤسساتية يمكن أن تكون بديلا عنه وعن مؤسساته.
هذا على الصعيد الكلي، أما على الصعيد التفصيلي فإن محكمة النقض تأتي تتويجا لجسم قضائي نشيط استطاع أن يكسب ثقة الناس في التحاكم إليه، وهو اليوم مع محكمة النقض مرشح لمزيد من هذه الثقة، لأن هذه المحكمة تشكل المرجع الأعلى الذي يمكن لأي متقاضيين اللجوء إليه، بما في ذلك المتقاضين أمام المحاكم العسكرية، حيث إن محكمة النقض في سوريا الحرة ليست مقتصرة على النظر في قرارات المحاكم المدنية، بل تمتد ولايتها إلى المحاكم العسكرية.
ومما زاد في ثقة الناس بالمحاكم الجديدة –إن صح التعبير- أنها تعتمد على القوانين التي سنت بناء على دستور 1950، وهو الدستور الذي وضع بعد جلاء الفرنسيين وقبل استيلاء البعث على السلطة، ويمثل في عيون فئة واسعة من السوريين دستورا نموذجيا إلى حد بعيد، علما أن أي قانون مسنون بناء على هذا الدستور هو قانون نافذ في محاكم ريف حلب، ما لم يكن هذا القانون منافيا لأحكام الشريعة الإسلامية أو متناقضا مع أحد مبادئ الثورة.
وأكد المصدر في ختام حديثه أن تجربة القضاء السوري في مناطق ريف حلب، التي توجت اليوم بإطلاق محكمة النقض، تقدم نموذجا للعمل السوري الخالص، سواء من ناحية العاملين عليه أو التمويل، دون إنكار جهود الجانب التركي في التحفيز وضمان الجانب الأمني للعاملين على المشروع، حتى يؤدوا واجباتهم في جو بعيد عن الضغوط والتهديدات من أي جهة كانت.
حلب - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية