حضرت مدينتا حلب وتدمر السوريتان، في "معرض حماية التراث المعرض للخطر" الذي يقيمه "معهد العالم العربي" في العاصمة الفرنسية باريس، بمشاركة متحف "اللوفر"، ومنظمة "يونسكو" التابعة للأمم المتحدة، وذلك لتسليط الضوء على المواقع التراثية العالمية المعرضة للدمار والاندثار.
وانطلق المعرض يوم الأربعاء الماضي، وسيستمر حتى العاشر من شهر شباط/فبراير القادم، حيث يعرض للزائرين فيديوهات (ثلاثية الأبعاد) بدقة عالية، مظهرة حجم الدمار الكبير الذي تعرضت له هذه المدن، الضاربة جذورها في عمق التاريخ وبدء الوجود البشري في المنطقة.
لكن المعرض لم يشر إلى مرتكبي جريمة تدمير مدينة حلب وإلحاق الأذى بآثار تدمر، واكتفى بالحديث عن تدمير تنظيم الدولة لمدينة تدمر، وهذا ما سبب انتقادا كبيرا من الحاضرين السوريين الذين طالبوا بتسمية الأمور بمسمياتها، مؤكدين على أن مجرمي العصر وسفاحيه حلف واحد، تناوبوا جميعا في مهمة تدمير هذا التراث العالمي بدءا من بشار الأسد وانتهاء بفلاديمير بوتين ومرورا بالميليشيات الطائفية الشيعية، وتنظيم "الدولة".
الباحث في مجال الآثار بجامعة "سوربون" الدكتور "أنس المقداد" قال :"للأسف المعرض يتحدث فقط عن داعش، ويغيب الدور الروسي والأسدي في تدمير حلب القديمة.. على هامش المعرض تم عقد ندوة عن الآثار المعرضة للخطر في سوريا والعراق واليمن وليبيا، لكن بغياب مختصين سوريين بالآثار للتحدث عن الوضع الكارثي الذي وصل له تراثنا وآثارنا، وكان التركيز على حماية الأقليات الدينية من خلال وجود جمعية المسيحيين في الشرق وتم كذلك التركيز على حماية اليزيديين".
وأضاف لـ"زمان الوصل": "هذا شيء مؤسف وكان من الواجب التركيز على حماية الإنسان كونه إنسانا، بعيدا عن العرق أو الدين.. وحماية تراثنا الإنساني قبل أي صبغة أخرى" مستبعدا أي إدانة لنظام الأسد أو روسيا أو أمريكا التي دمرت طائراتها مدينة الموصل وهي المدينة تناولها المعرض أيضا.

ولفت إلى أن منظمة "يونسكو" أحد الأطراف المنظمة للمعرض "ما زالت على تواصل مع نظام الأسد منذ بداية الثورة السورية عام 2011، وما زالت ممثلتها تمارس عملها بشكل اعتيادي، كما أن مكتب المنظمة في بيروت يعمل بتمويل مشاريع المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة لنظام الأسد منذ سنوات".
وانتقد الباحث في مجال الآثار عدم إفساح القائمين على المعرض للحضور بالمداخلة لتوصيل حقيقة ما جرى على الأرض، مشيرا إلى أن القائمين تذرعوا بضيق الوقت، لكنه مع ذلك شدد على أن المعرض مهم جدا لتعريف الزائرين بحجم الدمار الذي أصاب المدن الأثرية والمواقع التاريخية، بالإضافة إلى ذلك يعتبر وثيقة مهمة مصورة نستطيع الاستفادة منها بشكل علمي.
وقال: "تم تصوير مدينة حلب ونسيجها العمراني، ونشاهد من خلال الفيديو والتصوير الرقمي بتقنية عالية قلعة حلب والجامع الأموي وما أصابه من دمار وخاصة مئذنته وباحته، وكذلك تم تصوير الحالة الكارثية التي أصابت أسواق حلب القديمة، وكيف كانت قبل التدمير.. وكذلك عرض الدمار الكامل في مدينة تدمر القديمة، حيث نشاهد الدمار الكامل لمعبد "بعل شامين" ومحاولة ترميمه افتراضيا والمدافن البرجية التي دمرتها داعش بشكل همجي ومركز المدينة القديمة".
وبالإضافة إلى مدينتي حلب وتدمر، تناول المعرض مدينة الموصل في العراق ومدينة "لبدة" في ليبيا، وكان الحضور الليبي ممثلا بشكل رسمي من قبل المدير العام للآثار الليبي والوفد المرافق له.
وتجدر الإشارة إلى أن القسم الشرقي من مدينة حلب دمر بشكل شبه كامل خلال الحملة الهمجية من قبل نظام الأسد مدعوما بالقوات الروسية والميليشيات الإيرانية الطائفية، وهو القسم الذي يضم غالبية المواقع الأثرية مثل (قلعة حلب، والجامع العمري، والسوق المسقوف، وغيرها من المواقع الأثرية القديمة).

وبسبب قصف الطيران الروسي، اضطر سكان القسم الشرقي من مدينة حلب للنزوح عن منازلهم وذلك في 22 كانون الأول -ديسمبر عام 2016.
وسبق لمنظمة الأمم المتحدة أن قالت في تقرير لها، إن ثلث مدينة حلب القديمة تم تدميره بالكامل، وإن 60 % منه تضرر بشكل كبير، مشيرة إلى وجود أضرار بالغة في المسجد الأموي الكبير، وقلعة حلب ومبان تاريخية أخرى، مثل كاتدرائية القديس إلياس، وأسواق مدينة حلب القديمة، والمصنفة كأكبر أسواق مسقوفة في العالم.
أما مدينة تدمر فقد دمر تنظيم "الدولة" أهم المواقع الأثرية فيها، مثل معبدي "بعل شامين" و"بل" البالغ عمرهما أكثر من ألفي عام، كما تضررت أجزاء كبيرة من المسرح الروماني، وقوس النصر والأبراج الجنائزية، فيما أكملت المهمة بعده طائرات الأسد وروسيا في مسرحيات الانسحاب ومعارك السيطرة، ودمرت معظم الأجزاء التي بقيت صامدة من هذه المعالم.
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية