كشف القاضي المنشق "محمد نور حميدي" تفاصيل من تجربة اختطافه على يد ملثمين مجهولين من مزرعته في بلدة "إسقاط" غرب إدلب التي امتدت لثلاثة أسابيع تعرض خلالها لشتى أنواع الإذلال والتعذيب قبل أن يُفرج عنه مقابل فدية بلغت 50 ألف دولار.
وروى النائب العام السابق في مدينة إدلب لـ"زمان الوصل" أنه كان في مزرعته عصر الثلاثاء 4/ 9/ 2018، حين مرت سيارة من نوع (فان) لون فضي مفيّمة ولم يولِ للأمر اهتماما، وبعد مرور 10 دقائق فوجئ بالسيارة نفسها وقد دخلت مسرعة إلى المزرعة ووقفت خلف سيارته، وترجل منها 5 أشخاص يحملون رشاشات، وبعد أقل من نصف دقيقة وضعوا -كما يقول- عصابة قماشية على عينيه والسلاسل في يديه، وألقوا به في أرض السيارة التي انطلقت بسرعة هائلة، وبعد ما يقارب الساعتين وصلت السيارة إلى المكان الذي أُعد سابقاً لمثل هذه العمليات، وبعد نزوله منها تم وضعه في غرفة صغيرة بمفرده.
وذكر "حميدي" أنه تعرض لكل أنواع العذاب التي يمكن أن تخطر على بال إنسان ومنها التعذيب بالدولاب الذي اشتهرت به مخابرات النظام، وقاموا بشد أظافره وأذنيه ولسانه أكثر من مرة بكماشة، كما نتفوا شعر ذقنه بذات الطريقة المؤلمة، وكان الضرب مبرحاً بشكل لا يُحتمل.
ولفت محدثنا إلى أن خاطفيه حاولوا انتزاع اعتراف منه بأن انشقاقه مع زملائه القضاة الثمانية عام 2012 كان بالتنسيق مع النظام وحاولوا بشتى الوسائل -كما يقول- تصوير فيديو وقالوا له بالحرف الواحد إذا وافقت على التصوير يمكننا إخراجك مباشرة.
وكشف "حميدي" بصوت أنهكه التعب أنه لم يخرج من الزنزانة المنفردة التي وضع فيها إلا ساعة إطلاق سراحه ولم يكتف الخاطفون بالتعذيب الجسدي، بل مارسوا عليه طوال فترة الاحتجاز حرباً نفسية، وكانوا يلقون بين الفترة والأخرى برصاصة فارغة من فتحة التهوية الموجودة في الزنزانة لإشعاره بأن ثمنه هو هذه الرصاصة، مضيفاً أن الخاطفين كانوا يأتون بين الفينة والأخرى وقد وضعوا أقنعة على وجوههم ويهددونه بتنفيذ حكم القصاص بحقه.
استمرت عملية التعذيب بحق القاضي المختطف إلى حين خروجه بغية الحصول بداية على اعتراف ومن ثم انتقلوا -كما يقول- إلى موضوع الحصول على الفدية وروى "حميدي" أن خاطفيه كانوا خلال هذه الفترة يتفاوضون مع شقيقه لأن الهاتف أصبح بيدهم، وكانوا يحاولون إجباره على تسجيل بعض مقاطع الصوت لأهله لمطالبتهم بتعجيل دفع الفدية، لافتاً إلى أنهم كانوا يطلبون بداية 30 ألف دولار ورفعوا مبلغ الفدية إلى 50 ألفاً، إضافة إلى سيارته التي أخذوها عند اختطافه.
وأكد "حميدي" أنه لم يكن يعلم بما يدور من مفاوضات في الخارج، وكل ما هناك أن الخاطفين كانوا يأتون إليه في الزنزانة ويضعون المسدس في رأسه طالبين منه أن يوجّه رسائل إلى أهله من أجل التجاوب معهم.
صبيحة يوم الإفراج دخل عدد من الخاطفين إلى زنزانة "حميدي" ووضعوا العصابة على عينيه وحاولوا إيهامه -كما يقول- بأنهم سينفذون حكم الإعدام بحقه، مضيفاً أنه أخذوه بالفعل إلى غرفة شبيهة بالحمام وضع فيها لمدة نصف ساعة تقريباً من باب الترهيب النفسي ومن ثم أعادوه إلى الزنزانة ثانية.
وأردف محدثنا سارداً تفاصيل اختطافه، حيث دخل خاطفوه الزنزانة حوالي الساعة 11 ليلاً، ووضعوا القماش على عينيه من جديد والأصفاد في يديه وساقوه إلى السيارة التي انطلقت به وبعد نصف ساعة تقريباً أنزلوه منها، وتم اقتياده ضمن أرض زراعية وطلبوا منه عدم رفع القماشة عن عينيه وأن أهله سيأتون بعد نصف ساعة لأخذه من هذا المكان.
ووصف محدثنا تلك اللحظات بالمرعبة إذ كان يتوقع أن يقوم خاطفوه برميه بالرصاص، وبعد عشر دقائق من تركه وانطلاق السيارة قام بفك العصابة عن عينيه، ونظر حوله فوجد نفسه وسط أرض زراعية مشى فيها -كما يقول- مسافة كيلو متر إلى أن وصل الى طريق معبد وكان طوال الطريق ينادي "هل من أحد يسمعني" إلى أن سمعه بعدها أحد الأشخاص الذي خرج وأدخله إلى منزله في قرية "لوف" التي تبعد حوالي 6 كم عن "خان السبل"، وحينها أرسل رسالة إلى ابنه الذي أخبر بدوره مدير الدفاع المدني "رائد الصالح" الذي قام بالإيعاز لمركز "خان السبل" للبحث عنه وحضر الدفاع المدني بالفعل، حيث تم نقله إلى مركز "خان السبل"، وتم تقديم المساعدة الطبية الأولية له قبل أن يُعاد إلى بيته في بلدة "إسقاط"، وأكد "حميدي" أنه ورغم مرور أيام على إطلاق سراحه لا يزال يعاني رضوضاً في كامل أنحاء جسده وآلاماً مبرحة في أذنه ولسانه علاوة على أنه لا زال -حسب قوله- في حالة نفسية غير جيد جراء هذه التجربة المريرة.
وشغل "حميدي" الذي يحمل الدكتوراه في القانون الدولي منصب النائب العام في إدلب قبل أن ينشق عن النظام في العام الأول من الثورة، وساهم في الكثير من المبادرات والنشاطات القانونية التي تدعم الثورة، كما تولى عضوية الجبهة الوطنية للتغيير "أوج" ومنصب الأمين العام لـ"تجمع العدالة السورية" ومديراً للمكتب القانوني بالمقاومة الشعبية التي تم تأسيسها حديثاً.
وعمل كذلك مديراً لمكتب التوثيق في الدفاع المدني السوري، وأشرف على عمليات التوثيق والإحصاء للمعتقلين والشهداء والمفقودين.
وكان "حميدي" قد نجا من محاولة اغتيال عام 2015 في بلدته "إسقاط" بعد أن تم اكتشاف عبوة ناسفة لاصقة في سيارته تم انتزاعها دون أن تنفجر.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية