أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أهكذا تكافئون غزة على انتصارها؟!! .... أ.د. محمد اسحق الريفي

سجلت غزة صموداً أسطورياً في وجه العدوان والابتزاز والضغوط، رغم الحصار والدمار والتجويع، واستبسلت في صد العدو الصهيوني ودحره، وانتصرت عليه في الحرب التي شنها على غزة، وأحيت الأمل في نفوس أبناء الأمة، فلماذا إذاً يراودها العالم على انتصارها ويسعى لابتزازها؟!!

وتتمثل هذه المراودة في الوعود التي قدمها منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "خافيير سولانا" وعدد من الزعماء العرب لشعبنا بإعادة إعمار غزة وفتح معبر رفح، في مقابل إقصاء حركة حماس عن الحكم والسلطة، بطريقة ملتوية، وإلزامها بقواعد لعبة التسوية القائمة على مبدأ "حل الدولتين"، وهو مبدأ كاذب ويتضمن الشروط الثلاثة ذاتها التي يسعى المجتمع الدولي لفرضها على شعبنا عبر اللجنة الرباعية، فالحديث عن حل الدولتين بدلاً من الشروط الثلاثة هو تغيير في الشكل، وليس في الجوهر.

إذاً هذه الأموال مسيَّسة، والتبرع بها خالٍ من أي بعد إنساني، لأنها تهدف إلى إحياء التسوية السياسية التي رفضها شعبنا مراراً، وتحمل من أجل ذلك المعاناة القاسية وقدم التضحيات الجسيمة. كما تهدف تلك الأموال إلى تعزيز دور التيار المتصهين المسيطر على حركة فتح، وتمرير مشاريع تصفية القضية الفلسطينية وفق الرؤية الصهيوأوروأمريكية التي تحظى بدعم محور الاعتدال العربي، وإسقاط مشروع إقامة نظام إسلامي في فلسطين قادر على مواجهة التحدي الصهيوني، وإحباط الأمل في نفوس أبناء الأمة بالتخلص من الخطر الصهيوني، وتبديد الإنجازات التي حققتها المقاومة الفلسطينية، وتكريس ثقافة الاستسلام في منطقتنا.

لقد ازدادت حاجة غزة للمساعدات بعد الحرب الصهيونية عليها، ولكن أين كانت تلك الجهات المانحة خلال هذه الحرب ونحو سنتين قبلها من الحصار والعدوان المتواصل؟! يبدو أن قلوب الداعمين للمشروع الصهيوني التي فاقت الحجارة في القسوة قد لانت فجأة وتنزلت عليها الرحمة، فدبت الحياة في ضمائرهم الميتة وجادت نفوسهم بالمال على أهل غزة!!

لا، لم ترق قلوب هؤلاء المتباكين على غزة، رغم تظاهرهم بالحرص على إنجاح المصالحة الوطنية، لأنهم هم أنفسهم سبب معاناة شعبنا وصراعه الداخلي. فتلك الجهات الغربية ظلت تؤكد أثناء الحرب على غزة وبعدها حرصها الشديد على أمن الكيان الصهيوني، وهي التي تصمت الآن على تهجير شعبنا الفلسطيني من القدس المحتلة. لذلك فإن هذا الحرص كاذب وله أهداف أخرى غير تلك التي ينشدها شعبنا من المصالحة الوطنية، فنحن بصدد عملية خداع كبيرة، وتأليب للشعب الفلسطيني على حركة حماس بطريقة جديدة أكثر فاعلية. فرفض حركة حماس للمصالحة مع عبَّاس وجماعته سيبدو في نظر المضللين أنه عائق أمام إعمار غزة وإنقاذ مواطنيها من المعاناة!

وربما كانت تتوقع غزة أن يكافئها المتواطئون العرب على صمودها وبسالتها، ولكن يبدو أنهم يسعون لمكافأة العدو الصهيوني على إجرامه!

وفي الحقيقة، يظن الصهاينة والأمريكيون وحلفاؤهم الأوروبيون ومحور الاعتدال العربي أن الوقت قد حان لجني ثمار شجرة خبيثة ارتوت بدماء شعبنا في غزة وتغذت على أشلائه وترعرعت في أجواء المعاناة القاسية التي يعيشها، وقد أعد الجميع العدة لتمرير المؤامرة، عبر جر حركة حماس إلى وليمة دسَّ رعاتها في طعامها السم، وحفز الأوروبيون الفصائل الفلسطينية على حضور الوليمة، بينما هدد العدو الصهيوني بشن حرب أخرى على غزة إن لم تتوقف المقاومة، وأكد الأمريكيون على ضرورة الانصياع لإملاءاتهم. وجهز محور "التواطؤ العربي" كل شيء لإقامة مهرجان الاحتفال بكسب جولة من الصراع السياسي مع شعبنا بقيادة حركة حماس بعد عزلها عن الحكم وتبديد الخوف من شبح الحركات الإسلامية!

لن يفلح هؤلاء المتآمرون في ترويض شعبنا والقضاء على مقاومته، ونحن نثق بقدرة حركة حماس على خوض هذه الجولة بحكمة وحُنكة، فالذي انتصر في ساحة الوغى وصمد أمام كل المؤامرات، سينتصر حتماً في هذه الجولة، وسيعلم الذين تآمروا أنهم ضعفاء وصغار أمام إرادة شعبنا الفلسطيني وإصراره على تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها.

(98)    هل أعجبتك المقالة (93)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي