أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قانون الأسد من أكثر القوانين تسامحاً مع مرتكبي جرائم الشرف

تشير إحصاءات غير رسمية في سوريا إلى أن عدد الجرائم ذاتها يتراوح بين 200 إلى 300 جريمة سنوياً - جيتي

أعادت جريمة قتل مراهقة في السويداء بطلقة في الرأس على يد والدها منذ أيام إلى الأذهان قضية جرائم الشرف التي انتشرت بشكل مخيف في المجتمعات العربية خلال السنوات الأخيرة، حيث تذهب فتيات في عمر الزهور ضحايا الشك في سلوكهن أو ارتباطهن بعلاقة عاطفية، أو جراء لحظة تهور أو طيش في أسوأ الاحتمالات.

وتؤكد إحصاءات منظمات معنية بحقوق المرأة أن 5 آلاف شخص يقتلون سنوياً في أنحاء العالم بدعوى حماية الشرف، وترتكب هذه الجرائم على الأخص بالإناث، فيما تشير إحصاءات غير رسمية في سوريا إلى أن عدد الجرائم ذاتها يتراوح بين 200 إلى 300 جريمة سنوياً.

بدورها منظمة "هيومن رايتس واتش" تعرف "جرائم الشرف" على أنها: "أفعال بغرض الانتقام، غالبًا جريمة قتل يرتكبها أحد أفراد الأسرة الذكور ضد إحدى أفراد الأسرة الإناث، بدعوى جلبها العار على أسرتها".

ولكن ما الذي يبرر ارتكاب جريمة لمجرد أن الفتاة ارتبطت بعلاقة عاطفية مع شاب ما، وهي الحالة التي يمكن ملاحظتها في الكثير من قصص جرائم الشرف، وهل جريمة الشرف عُرف أم قانون أم عادة أم تقليد. 

لم تكن المغدورة "مريم محمد" (22 عاماً) تظن أن نهايتها ستكون على يد شقيقها الذي وافق على تزويجها من شخص لا ترغب به في إحدى قرى حمص، وعندما أعلنت عدم رضاها عن الزواج من هذا الشخص أقدم شقيقها عدنان 24 سنة على ضربها بعنف من خلال كبل كهربائي بداية ثم قام بإحماء قضيب حديدي على نار مشتعلة حتى الاحمرار وأخذ يحرق جسدها به أمام مرأى زوجته إلى أن فارقت المغدورة الحياة.

ولم يكتف بذلك، بل قام بدفن جثتها في حفرة بمنزله ضمن مرآب سيارة خاص به، ثم وضع مادة "البيتون" لملء ثغرة الحفرة وطمس معالم الجريمة والحفرة.

وقام بعد ذلك بأسابيع بتبليط المرآب كاملاً بما فيها المساحة التي تحتوي حفرة القبر وادعى أن شقيقته قد تزوجت خارج القرية، لكن هواجسه لم تتوقف، وكأن حركة ما استمرت في الحفرة طوال الوقت وظلت تقلق راحته وتعكر خاطره، مما دفعه بعد شهر من ارتكابه هذه الجريمة الشنيعة إلى تكسير البلاط مجدداً حتى وصل إلى أعماق الحفرة التي تحتوي الجثة، ولم يجد سوى عظام المغدورة فقام بجمعها في كيس وحملها ليدفنها في مكان مهجور، ثم أعاد خلط التراب الذي أحاط بالجثة لينثره مجدداً ضمن المزرعة قبل أن يقوم بإعادة تبليط المرآب فوق الحفرة مرة أخرى وهنا زفر الزفرة الأخيرة معتقداً أن الجريمة مرت بسلام.

أما "سمر حسين" فهي شابة في 19 من عمرها متفوقة في دراستها كانت تحلم وتتهيأ لدخول كلية الطب، لكن الموت فاجأها غدراً على يد شقيقها الذي سمع بأن شقيقته على علاقة عاطفية مع شاب يسكن في نفس الحي الذي تسكن فيه، وعندما رآهما يسيران إلى جانب بعض وهما غارقان في الضحك، اتجه نحوهما وهو يحمل سكيناً كان يخبئها تحت قميصه وطعنها حتى الموت.

أما العشيق الشاب فولى هارباً تاركاً فتاته تتخبط بدمائها وقام القاتل بتسليم نفسه إلى أقرب مخفر شرطة لينال جزاءه العادل، كما قام ماهر العلي (27 عاماً) بخنق شقيقته (نجاة 18 عاماً) للسبب نفسه، ثم رمى جثتها في نهر آسن قرب القرية، وفي صبيحة ذلك اليوم احتشد عدد من الأطفال المتوجهين صباحاً إلى مدرستهم أمام منظر الجثة الطافية على سطح الماء وبعد مواجهة شقيقها بالأدلة المتوفرة اعترف بأنه أقدم على قتل شقيقته لأنه علم أنها على علاقة عاطفية بشاب من قريتها. 

الباحثة الاجتماعية "فاتن محمد" قالت لـ"زمان الوصل" إن "البيئة الاجتماعية تلعب دوراً هاماً وخطيراً في مجال انتشار هذا النوع من الجرائم، لاسيما وأن الإنسان البسيط بوجه عام والريفي بوجه خاص يتأثر تأثراً عميقاً ببيئته لاعتقاده بأن سمعته تتوقف على ما يقوله الناس عنه".

وتابعت: "عندما تخرج الفتاة عن الطريق القويم تلوك الألسنة سمعتها وسمعة عائلتها ويصبح لزاماً على العائلة التخلص من العار بالقضاء على سببه، فيقوم الأخ تحت تأثير ضغوط الفضيحة وأقاويل الناس بمهمة غسل العار وإراقة دماء أخته المنحرفة لإنقاذ شرف العائلة الرفيع".

ومن الملاحظ -كما تشير محدثتنا- أن المرأة "المنحرفة" –حسب اعتقادهم– هي قضية يهتم بها بالدرجة الأولى شقيقها وليس زوجها إذا كانت متزوجة الذي نادراً ما يُعتبر بأنه المطالب بغسل العار الذي لحق بشرف العائلة وحتى في الحالات التي يغض فيها الزوج النظر عن خيانة زوجته له، فإن الشقيق لا يغفر لها خيانتها ويتولى بالتالي أمر قتلها. 

وبدوره يؤكد المحامي "عبد المنعم رضوان" أن 75 % من جرائم الشرف يرتكبها أشقاء الضحايا، سواء كانت الضحية زوجة زانية أو فتاة منحرفة عن السلوك القويم ويلاحظ من خلال قائمة الجرائم أن الأب يأتي في المرتبة الثانية في غسل عار العائلة، ويأتي بعده العم ثم ابن العم وأخيراً ابن الضحية نسبة ضئيلة ويُلاحظ أن نسبة أكثر من 80 % من مرتكبي ما يسمى "جرائم الشرف" هم من الأميين الذين لا يجيدون القراءة أو الكتابة، ثم إن معدل سن الذين حوكموا لارتكابهم جريمة شرف منخفض جداً، ويمكن تفسير هذه الظاهرة -كما يقول رضوان- بأن العائلة عندما تقرر غسل العار الذي لحق بها تكلف الأصغر سناً لأن دخله يكون عادة أقل من دخل الآخرين ويمكن الاستغناء عنه ويستفيد من الأسباب التخفيفية لصغر سنه.

وأشار محدثنا إلى أن القانون السوري يعتبر من أكثر القوانين تسامحاً مع مرتكبي هذه الجرائم مقارنة بغالبية البلدان العربية، وقد نظم قانون العقوبات السوري تحت عنوان "الجنايات والجنح على حياة الإنسان وسلامته"، وتحديداً البند الرابع تحت عنوان "العذر في القتل والإيذاء" المادة 548، إضافة للمادة 192 المتعلقة بالدافع الشريف.

ويربط الشيخ "هيثم منصور" جرائم الشرف في المجتمع العربي بظاهرة العنف الأسري التي نشأت منذ بدء الخليقة -كما يقول- وهي غالباً ما تتعزز جراء التراكمات الاجتماعية ومرادفاتها، إضافة لضعف الإيمان بالله عز وجل، ليحدث "الانحراف عن الطريق المستقيم وعن الفضيلة التي أمرنا الله أن نتحلى بها والشرع الإسلامي".

ويشير "منصور" إلى أن "سائر الشرائع السماوية لم تُبح بأن يأخذ الناس حقهم بهذا الشكل إذا افترضنا أن لهم حق، فالمعاملة الحسنة والتربية القويمة والاهتداء بما أمرنا الله تعالى هي مقومات للارتقاء بسلوك مجتمعاتنا نحو الصلاح بعيداً عن العنف وآثاره المدمرة على مستوى الأسرة والمجتمع والحياة الإنسانية ككل".

زمان الوصل
(137)    هل أعجبتك المقالة (147)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي