كم هي قذرة تلك التي يسمونها لعبة السياسة، تلك التي لا تعرف محرما ولا مقدسا وتدوس في طريقها كل الرموز وكل شيء جميل، انها ليست فن الواقع ولا لعبة الكبار، انها بصدق فن ان تبيع كل شيء بأي ثمن وعلى ايدي كل من يقبل ان يبيع وبكل ثمن، وآخر ضحاياها كانت الرمز الاخير لكل جميل ومقدس في وجودنا المشرف على الهلاك، لقد حاولت ان تدوس اسطورة فيروز واسطورة الرحابنة في خضم فاجعتهم وفاجعتنا بالكبير منصور الرحباني الذي غادر عالمنا وهو لايزال محملا بكثير من الاحلام والهموم واماني العالم الافضل، فلقد غادرنا منصور احد آخر قلاع الفن الملتزم الراقي ليترك الكلاب تنبح على مشارف حصنه المنيع في هذا العالم المتهاوي الذي اصبح فيه النجاح يقاس بمقدار اللحم العاري وكلمات الاسفاف وحركات الصفاقة والخلاعة.
فيروز التي منذ احتضنها الرحابنة كانت فنانة الوحدة وفنانة المقاومة ورمز الصمود كما هم الرحابنة رمز من رموز الصمود في تاريخ شله التسليم والاستسلام والتضحية بكل مقدس وبيع كل رمز، فيروز والرحابنة شكلوا ظاهرة فريدة واسطورة عجزت كل محاولات التطويع والتخنيع عن النيل منها، لذا عندما اشعلت الحرب قلوب اللبنانيين قبل ان تشعل شوارع بيروت نارا ورمادا ودخان بقيت فيروز وبقي الرحابنة مرابطين في جبال لبنان رابضين في قلاع الالتزام رافضين الانجرار الى مهاترات الساسة على حساب الوطن، بينما فر الجميع..
وطوال اعوام زادت على العشرين بقيت فيروز صائمة عن الغناء حتى انفجرت تحت وطأة الدم والدمار لتغني لبيروت التي اطفأت قنديلها وبنت بالرماد مجدها وحملت على كفها دماء اطفالها بعد ان كانت مدينة الياسمين وخبز العاشقين، ثم عادت فيروز الى صومها وصمتها، حتى جاء اليوم الذي وضع فيه سادة الحرب سلاح النار ليعبثوا بسلاح السياسة، يومها ظنت فيروز ان حربها انتهت وصومها حان له عيد، فنزلت الى شوارع بيروت والى ساحة الشهداء لتغني لعودة بيروت وابناء بيروت وحياة بيروت، ولم تكن تعلم ان هؤلاء الذين ظنتهم ابناءها وابناء شعبها، الذين قضت لاجلهم 20 عاما من العزلة، هم من سيخونونها وفي الظهر يطعنونها لاجل مكاسب اللعبة القذرة والاعيب الصغار.
قبل ايام قام احد هؤلاء المرتزقة والكلاب السعرة النابحة فطعن فيروز في القلب والصميم، في حلمها وحلم منصور وعاصي وزياد في حلم الوحدة والوطن الاسمى والعروبة الممتدة من المحيط الى الخليج، ولماذا؟؟ لان فيروز التي ما ردت سائلا اجابت كعادتها دعوات دمشق فحلقت فوق الحدود المصطنعة الى عاصمة أمية لتغني لدمشق الشآم التي ما خانت يوما حلم العروبة كما خانه الطاعنون بفيروز.
فيروز لا تحزني يا ملكة اللوز وسيدة العناقيد يا من غنيتي الحلم وحققته بتجاوز الحدود، فانت باقية وبيروت باقية ودمشق وعمان ومكة التي غنيتي اهلها الصيدا كما غنيت آلام المسيح، كلهم باقون وانت باقية لهم وبهم وبالحلم الذي سيتحقق يوما وسيتحقق قريبا وعندها لن نرضى الا بفيروز لتغني نشيد الوطن الواحد، الوطن الصامد، الوطن الخالد....
يا فيروز ان من يسمون انفسهم باسماء الشهور لن يعيشوا لعقود او قرون اما من اختار الشعب وروح الشعب واسم السيف والسلاح هم باقون وانت معهم باقية لانهم تمثيل لما ناديت به وغنيت له، يا فيروز لا يضير القمر عواء الكلاب ولا ينال من النجوم -يا سفيرتنا الى النجوم- ان يرميها الهمج برماحهم الصدئة، وانت خير من يعلم انه لا يرمى بحجر الا الشجر المحمل بالثمر، وان ثمار فيروز والرحابنة تعجز عن حملها اكبر الاشجار فما بالكم بالحشائش الموسمية والفطر الذي ينبت على جذور الاشجار المعمرة محاولا ان يسرق منها ما يقيم أوده فاذا (كبر رأسه) ظن نفسه شجرة حتى يأتي من يدوسه فينهرس بلا مقاومة.
لا تحزني يا سيدة السيدات فان موعدنا أرز بيروت ترويه مياه الاردن، وصلاة يرتل فيها الامام القرآن في ساحات الاقصى فيما انت ترتلين الآم المسيح في كنيسة القيامة.... يا فيروز لا تحزني فان الله معنا مع السيف المسلول لاجله، والقلم الصادق المخلص له، والصوت المنادي باسمه وباسم من ضربة اقدامهم على الارض هدارة وفي قلوب الاعداء زلزال مدو، اما الكلاب يا فيروز فدعيها تعوي فان قافلة النصر تسير، وليس بعيدا اليوم الذي نصرخ فيه في وجه كل حاكم نائم (صح النوم)
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية