ما بين فترة وأخرى يخرج علينا الرجل الثاني في تنظيم القاعدة السيد ايمن الظواهري في محاولة على ما يبدو للقول بأنه لا زال هناك، وليس مهما هذه "الهناك"، فهي قد تكون في أي مكان في العالم، وفي كل مرة يطل علينا الرجل فانه لا يتردد بتوجيه "النصح" لهذه الجهة أو تلك، أو بتوجيه "صكوك الغفران القاعدية"، لهذا التنظيم أو هذه الفئة أو تلك، كما انه لا يتردد في كيل التهم وتوجيه التهديدات يمنة ويسرة في محاولة منه للتخويف والترويع لمن "يهمهم الأمر".
في التسجيل الأخير حث السيد الظواهري الفلسطينيين في قطاع غزة على عدم الاستسلام للضغوط التي سماها عربية للتوصل إلى تهدئة مع إسرائيل كما وتعهد بدعم القتال ضد دولة الاحتلال. والحقيقة ان مثل هذا التعهد كنا قد سمعناه في أكثر من مناسبة ومنذ فترة طويلة ومن ذات الرجل أو من يمثل، ولم تكن كل مثل هذه التعهدات سوى جعجعة فارغة لم يتحقق منها على الأرض أي شيء، ونحن هنا نستطيع أن نؤكد بأنها لن ينتج عنها أي شيء، خاصة إذا ما عدنا إلى تجربة ليس الرجل فحسب لا بل إلى تجربة تنظيم القاعدة بشكل عام، والذي لم يقم بحسب ما نرى سوى بعمليات القتل غير المبررة وغير المفهومة لآلاف - حتى لا نقول عشرات الآلاف- الضحايا من الأبرياء في العراق والأردن والسعودية والمغرب العربي وغيرها من الدول العربية وغير الغربية.
وهو يدعو المسلمين في العديد من الدول إلى مواصلة قتال "الصليبيين" في إشارة إلى القوى الغربية التي تسيطر على المنطقة، أو تلك التي لها تواجد في هذه الدول، سواء كان هذا التواجد على شكل احتلال عسكري كما هو الحال في العراق وأفغانستان، أو تلك التي لديها قواعد عسكرية في بعض الدول العربية.
من الواضح أن السيد الظواهري يحاول الظهور كما في كل مرة بأنه العالم والعارف ببواطن الأمور وانه يتمتع بمواقف ثابتة لا تقبل النقاش وغير قابلة للتراجع عنها وهي تتمثل في ما يسميه "الجهاد" هذا الجهاد الذي يفهمه على طريقته في الذبح والقتل وجز الرقاب وما إلى ذلك من أعمال لا يمكن قبولها لا إسلاميا ولا إنسانيا، علما بان الجهاد أعمق وأوسع بكثير مما يحاول الرجل أن يقول أو يعمم كما قي كل أشرطته الاستعراضية.
الظواهري الذي لم يتردد عن مهاجمة حركة حماس في فترة سابقة يؤكد " للمجاهدين في غزة" بان "المجاهدين" ويقصد هنا رجال القاعدة، "في جبهات الجهاد المختلفة على أتم الاستعداد لان يقدموا لإخوانهم في غزة وفي كل مكان التدريب والإعداد بأقصى ما يستطيعون"، هذا الكلام وهذا الاستعداد العالي الذي نسمعه للمرة الألف من الرجل لم يترجم ولو لمرة واحدة إلى حقيقة واقعة وبالتالي فهو لا يختلف عن كل الشعارات التي يتم رفها من الأنظمة العربية التي يهاجمها الرجل والتي ظلت على مدار سنوات طويلة تتاجر بالقضية وبالدم الفلسطيني.
لم يكتف الظواهري بكل هذه الاقاويل حتى لا نقول الاضاليل، بل هو يحرض بطريقة فجة على عدم الوحدة بين الفصائل الفلسطينية من خلال التحريض لفصائل الاسلامية على عدم الاندماج مع الفصائل الفلسطينية غير الاسلامية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وهو بهذا يحوال ان يتحدث كما العارف أو "العراف" عن تفاصيل الحالة الفلسطينية بحيث يحاول الإشارة أو توجيه هذه الفصائل نحو ما يرى انها المصلحة الفلسطينية وهو يعلم علم اليقين ان الحالة الفلسطينية يمكن ان تكون في اقوى اوضاعها اذا ما تمكنت من تحقيق الوحدة والانخراط تحت مظلة واحدة اتفق الكل الفلسطيني على انها منظمة التحرير الفلسطينية الفاعلة والمفعلة والتي لا بد من ان يعاد بناؤها واصلاحها.
الحديث عن العلمانية والشريعة الإسلامية في ظروف مثل الظروف التي تمر فيها القضية الفلسطينية ليست سوى دعوة الى الفرقة والفتنة، ولا يمكن ان تنم او ان تصدر عن شخص يدعي الحرص على المصلحة الفلسطينية، وهذا التحريض للفصائل الاسلامية انما يراد به تعزيز الانقسام وتجذيره في الساحة الفلسطينية. لا نعتقد ان الحديث عن الشريعة الاسلامية على الطريقة " القاعدية" التي طبقت في افغانستان والتي اخذت البلاد مئات السنين الى الخلف والتخلف يمكن ان تكون مقبولة هنا في فلسطين كما ان ابناء فلسطين اقدر على تحديد النظام السياسي الذي سوف يسود البلاد.
لم يتوقف الدس الذي قاله الرجل على ذلك بل حاول التعرض لمنظمة التحرير متهما إياها بالقبول بما قال انه الفتات من فلسطين وهذا الحديث بهذا الشكل إنما يراد منه اللعب على قضية ربما أثيرت من قبل السيد خالد مشعل وتم القفز عنها بطريقة يعلمها الجميع بما فيهم الظواهري نفسه.
إن ما نراه في هذا التسجيل انه احتوى على حديث فيه الكثير من التشويه والمزايدة على الشعب والدم الفلسطيني، علما بان تنظيم القاعدة الذي يعتبر الرجل احد أعمدته الرئيسية لم يقدم للقضية الفلسطينية سوى الشعارات الفارغة، لا بل يمكن القول ان الكثير من تلك الشعارات فيها إساءة للقضية الفلسطينية أكثر مما فيها من النفع، وعليه فإننا نعتقد بان على الظواهري وكل الذين يتشدقون من بعيد من أنظمة وغيرهم أن يعيرونا صمتهم لان مثل هذه الشعارات لم تعد تنطلي على احد.
25- 2- 2009
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية