نزع صور لحافظ الأسد أو التعليق عليها بأي تلميح كانا كافيين لاعتقال أي شخص وتغيّيبه خلف الشمس حتى ولو لم يكن الأمر مقصوداً، وهذا ما حصل مع عدد من عمال ورشة دهان ذات يوم في المشفى الوطني في إدلب.
وروى الضابط المنشق "محمد الفضلي" لـ"زمان الوصل" أن صورة لحافظ الأسد كانت معلقة في أحد مكاتب المشفى مع صور أخرى أنزلها أحد العمال جميعاً حتى ينتهي الدهان، وبعد أن انتهوا من الدهان نسي أحد العمال -كما يقول- مكان صورة الأسد الأب وأين كانت معلقة بالضبط، وذلك لكثرة المسامير في الجدران، فقام بوضعها على جدار آخر.
وأضاف "الفضلي" ساردا فصول القصة كما سمعها من صديق كان شاهدا عليها أن مدير المكتب "من شركاء الوطن" دخل بعد قليل وبدأ بالصراخ على العامل من أجل الصورة المنزوعة من مكانها، وطالبه بإعادتها إلى الحائط الأول كما كانت. فأجابه العامل: "هون أحسن حتى لا تصيبها الشمس وتخرب"، وطالبه "شريك الوطن" بإعادتها إلى مكانها الأصلي والعامل يشرح وجهة نظره في الجدار الآخر، وهنا تدخل صاحب الورشة ﻹنهاء الجدل، وردّد مثلاً شعبياً سورياً عريقاً يقول "اربط الحمار وين ما بيقلك صاحبو".
وتابع محدثنا أن مدير المكتب صُعِقَ من المثل الشعبي وشتم العامل وصاحب الورشة ودينهما ومعتقداتهما وهددهما بأنه سيسحقهما.
وبعدها بأيام اختفى صاحب الورشة والعامل وراء الشمس بتهمة "التعاون مع جهات خارجية تهدف إلى هدم النظام الاشتراكي العلماني الممانع المقاوم وتنال من عزيمة الأمة" وبقيت الصورة بكل قبحها على جدار الصمت.
وروى مؤلف كتاب "القيامة انشقاق لأجل الحرية" قصة حصلت على بعد مئات الكيلومترات في مدينة دير الزور، ولكنها تحمل نفس المغزى والعقلية التي كانت ولا تزال تحكم بلاد القهر والبعث.
وتروي القصة أن رجلاً طاعناً في السن كان لديه دكان صغير يبيع فيه (شواريخ ديرية أو كلاشات)، وكانت بضاعته تملأ جدران المحل وذات يوم -كما يقول محدثنا- دخل أحد عناصر الأمن في المدينة.
وقال له بلهجة جبال الساحل "ولك كر ليش مانك حاطط صورة للقائد المفدى بالمحل"، وبطيبة قلب أجابه الختيار: "شيل أي كلاش وحط الصورة محلها"، ومنذ ذلك اليوم اختفى الختيار وأغلق محله دون أن يجرؤ أحد من أقاربه على فتحه أو السؤال على مصير صاحبه المحتوم.
أما "شامي" وهو اسم مستعار لشاب دمشقي فروى أنه نزع صورة الأسد الأب على أحد جدران شارع البحصة (وسط دمشق) ذات يوم من عام 1990 وفوجئ بدورية من فرع الأمن السياسي مدججة بالسلاح تعتقله.
وأضاف الشاب الذي تعرض لتجربة اعتقال قاسية أن جهات عدة تدخلت لإقناع الأمن بأن اللوحة (الصورة) كانت أساساً ممزقة ونزعت بهدف وضع صورة حديثة غيرها واضطر-كما يقول- لدفع ألفي دولار لينجو بنفسه.
وبدأت محاولات تعظيم صور حافظ الأسد بُعيد انقلابه الذي سمي بـ"الحركة التصحيحية"، وبلغت حدة التعظيم مرحلة التقديس في فترة لاحقة -كما تقول الكاتبة والأكاديمية الأميركية "ليزا وادين"- في كتابها "السيطرة الغامضة".
وأضافت أن "حافظ الأسد هو الذي شجَّع هذا الاتجاه في الوقت الذي رأى فيه وزير إعلامه جورج صدقني (1973 ـ 1974) أن وضع صور الرئيس على أغلفة الكتب المدرسية "يثير حساسيات دينية".
ولفتت "وادين" إلى أن "الفضل في النقلة التي عرفتها حملة تعظيم الأسد وترقيتها إلى مستوى التقديس تنسب إلى وزير إعلامه الشهير "أحمد إسكندر أحمد" (كما يشير إلى ذلك باتريك سيل في كتابه عن حافظ الأسد الذي أدار الإعلام السوري بدءاً من عام 1974 وحتى وفاته عام 1983.
غير أن هالة التعظيم لصور "حافظ الأسد" لم تلبث أن انهارت مع تمزيق صوره في 12 مارس/آذار/2004، إثر مباراة كرة قدم بين فريقي الفتوة من دير الزور والجهاد القامشلي بملعب الأخير.
وتدخلت أجهزة الأمن والشرطة آنذاك مستخدمة العنف المفرط لقمع المحتجين، وهو ما شكّل بداية لاندلاع انتفاضة شعبية كردية عمت عددا من المدن، وراح ضحيتها 36 كردياً ومع بداية الثورة السورية أصبحت صور الأسد الأب والابن مداساً للأقدام.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية