أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بالحقائق الدامغة.. هكذا مولت الأمم المتحدة نظام الأسد بعشرات المليارات التي ضمنت بقاءه

غوطة دمشق - أرشيف

• في 2017 وحده، وضعت الأمم المتحدة تحت تصرف الأسد أموالا، تمثل ثلث الناتج المحلي السوري
• ما قدمته الأمم المتحدة للنظام لايقل إن لم يكن يزيد عما قدمه حلفاؤه له، وفي طليعتهم إيران
• متى توقف الأمم المتحدة صفقتها مع الشيطان؟
• إذا كانت الأموال الموعودة لـ"إعادة الإعمار" ستصب بنفس الطريقة فسنكون أمام مشهد أشد كارثية وتغولا للنظام
• كل "شركاء" الأمم المتحدة مدرجون على قائمة العقوبات الدولية
• "الهلال الأحمر" بات وكرا للمخابرات وتواقيع ضباط المخابرات الجوية والعسكرية على أوامر صرف المساعدات


في الوقت الذي كان الاعتقاد السائد أن الأمم المتحدة أداة رئيسة في فرض العقوبات على بشار الأسد ونظامه وجيشه، وفق القرارات الصادرة عن هذه المنظمة نفسها، كانت الأمم المتحدة شريكا وداعما أساسيا لنظام قتل وهجر من السوريين أكثر من 10 ملايين، وحول مساحات واسعة من البلاد إلى كتلة ركام ولوحة خراب.

هذا الكلام ليس كلاما إنشائيا، ولا هو مجرد اتهام أو انتقاد لاسند له ضد المنظمة الأممية، التي واجهت كثيرا من الانتقادات بخصوص عملها في سوريا، بل هو حقائق ووقائع نشرتها دورية "فورين أفيرز" الشهيرة مؤخرا في تقرير مطول ومفصل، كتبته "آني سبارو" وهي أكاديمية وباحثة في إحدى الجامعات الأمريكية بولاية نيويورك، ومتخصصة في ملاحقة الشأن السوري. 

*تحت سلطة القاتل وتصرفه
تعرض "سبارو" في تقريرها معلومات صادمة عن حجم الدعم الذي قدمته الأمم المتحدة ومنظماتها التابعة لنام بشار، وهو دعم لايقل إن لم يكن يزيد عن كل الدعم الذي قدمته إيران، رغم أن العقوبات المفروضة بنص قرارات الأمم المتحدة هي الأكثر شمولا وتفصيلا، بحيث يجب أن تمنع تسرب أي دعم ولو بسيط لنظام لم يتوقف عن قتل السوريين لحظة منذ نحو 8 سنوات.

ومن المعلومات التي يعرضها التقرير أن مساعدات الأمم المتحدة أسهمت في تقديم دعم غير مباشر لبشار ونظامه يعادل مبلغ 30 مليار دولار، ضخ معظمها لتقوية وترميم آلة حربه من مرتزقة وأسلحة، من أجل ضمان استمرارها في القتل والتدمير.

وتشير الباحثة "سبارو" في بداية تقريرها إلى أن انحراف المساعدات الأممية عن هدفها، بل وتحولها إلى المسار المعاكس تماما، يوضح الحاجة الملحة لإصلاح الأمم المتحدة، وإصلاح نظام مساعداتها الذي يوجب التعاون مع الحكومات، حتى ولو كانت تلك الحكومات تشن حرب إبادة على شعوبها، وهذا المبدأ (حصرالتعاون مع الحكومات) هو ما ساعد بشار في تجيير المعونة الأممية الضخمة لتصبَّ أموالها في خزائنه.

فمنذ السنة الثانية لإعلان بشار الحرب على السوريين، وتحديدا في ربيع 2012، أسرت الأمم المتحدة قواعد خاطئة لتوصيل المساعدات، وأخضعتها لسلطة بشار وموافقات نظامه، استناد إلى نص قانوني في الأمم المتحدة يقضي بـ"ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية عبر موافقة الدولة المُتضرِّرة.. للدولة المُتضرِّرة دور رئيس في إطلاق وتنظيم وتنسيق وتنفيذ المساعدات الإنسانية داخل أراضيها".

وسرعان ما بدأ بشار في جني فوائد هذا النص، فتدفقَت أموال المساعدات الإنسانية ابتداء من 216 مليون دولار، ثم تضاعف هذا الرقم حتى وصل إلى 3 مليارات دولار كانت تضخ سنويا طوال الأعوام اللاحقة.

وحتى يغلف النظام سرقاته بغلاف مؤسساتي وقانوني، أصر على أن توقع جميع وكالات الإغاثة اتفاقا مع "الهلال الأحمر العربي السوري"، الذي تحول مع اندلاع الثورة إلى أداة طيعة بيد النظام ومخابراته، وبات فاقدا لأدنى درجات الاستقلالية التي يفترض أن تتحلى بها منظمة مثله، لاسيما عندما تكون البلاد في حالة حرب وصراع داخلي.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الباحثة "سبارو" تؤكد أن مخابرات النظام، قامت باختراق "الهلال الأحمر السوري" عبر توظيف عملاء لها داخله، ليكونوا بصفة "متطوعين"، وبشهادات متطوعين سابقين كانوا في "الهلال" وغادروه، قالوا أيضا إن أي موظف أو متطوع يخرق قواعد الخضوع التام للنظام في تجيير المساعدات يتعرض للاعتقال والتعذيب وحتى القتل.

وليكتمل مشهد نهب المساعدات الأممية، أوعز النظام بإعطاء تأشيرات دخول لأشخاص محددين من وكالات الإغاثة، ومن جنسيات معينة (يتحدرون من دول حليفة للنظام)، وهكذا صارت هذه الوكالات كالخاتم في أصبع بشار، وأصبح من البديهي أن تنقطع المساعدات أو تتقلص إلى حدها الأدنى عن المناطق المحررة، حتى دخلت هذه المناطق في ظروف مأساوية من الجوع ونقص الغذاء والدواء، كما حصل في الغوطة الشرقية وجنوب دمشق ومضايا والزيداني وغيرها.

* آخر ورقة توت
في صيف 2014 حدث تحول كان يفترض ان يكون جذريا، عندما وافقت روسيا على عدم استخام حق النقض، ضد قرار لمجلس الأمن يحمل الرقم 2165، ويسمح بتقديم المساعدات عبر الحدود، وهو ما يعني قانونية تمرير المساعدات الإنسانية وإعطاءها أولوية تتجاوز مبدأ "سيادة الدولة"، ومع ذلك بقيت المنظمات التابعة للأمم المتحدة تفضل التعامل مع النظام على أي طرف آخر في سوريا، ما أعطاه فرصة إضافية للنفوذ والتحكم وجني مزيد من المليارات.

وكمثال بسيط لكنه معبر، قامت منظمة الصحة العالمية في 2014 بتبني خريطة عن سوريا، تشمل جزءا من تركيا، في محاباة واضحة للنظام، الذي استفاق مؤخرا وبات يطلق الوعود باستعادة هذه المناطق من أنقرة كونها مناطق سورية.

كما اعتمد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق شؤون المساعدات الإنسانية خطة استجابة إنسانية لعام 2016، استخدم فيها التعابير المفضلة لدى النظام، فاعتمد كلمة "صراع" عوضا ع كلمة "أزمة"، وتبنى مصطلح "مواقع مُدرَجة في قرارات ذات صلة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بدلا من تسميتها باسمها الحقيقي وهو "مناطق محاصرة من قبل القوات الحكومية". كما شطب مكتب الأمم المتحدة برنامج إزالة الألغام برمته؛ حتى لايضطر إلى العمل عبر الحدود خارج سيطرة نظام الأسد!

وتخلص "سبارو" إلى نتيجة مفادها أن جهود الإغاثة في سوريا ضمنت تدفق كميات هائلة من الأموال، إلى بلد أصيب اقتصاده بالشلل، وكان لهذه الأموال تأثير أكثر من بالغ على بقاء النظام واستمراره.

ويكشف تقرير غير منشور تابع للمركز السوري لبحوث السياسات أن إجمالي المساعدات الإنسانية المخصصة من قبل المجتمع الدولي لسوريا خلال 2017 فقط، بما فيها مصادر التمويل التابعة للأمم المتحدة وغير التابعة لها، بلغ ما يعادل 35% من إجمالي الناتج المحلي السوري.

ولأن حجم الأموال والمساعدات المتدفقة كان ضخما للغاية، فقد أدرك النظام سريعا أنه بحاجة أداة أخرى إلى جانب "الهلال الأحمر" حتى يقوم نهب المساعدات وتجييرها على قدم وساق، ومن هنا تم تشكيل ما سمي "اللجنة العليا للإغاثة"، لتتولى مهمة التنسيق بين طلبات المساعدات الصادرة عن الأمم المتحدة من جهة وبين الوزارات الحكومية والفروع المختلفة التابعة لأجهزة المخابرات، بل إن الحصول على موافقة هذه اللجنة بات شرطا لازما لإيصال أي مساعدات عبر "الهلال الأحمر"، وهكذا سقطت آخر ورقة توت عن السرقة الموصوفة للمساعدات من قبل النظام.

ولتتضح الصورة أكثر، تقول "سبارو" إنها حصلت على نسخة من كتاب صادر عن اللجنة العليا للإغاثة في 2016 يخص الموافقة على إيصال "الهلال الأحمر" مساعدات إنسانية، ولم يكن الخطاب موقعا من وزير الصحة في حكومة النظام فقط، وهذا أمر بديهي، بل كان يحمل تواقيع ضباط من جهازي المخابرات الجوية والعسكرية، وهو ما لا يحتاج لكثير تفسير حول دور هذه الأجهزة في السيطرة على المساعدات ونهبها وتجييرها، علما أن وزارة الصحة التابعة للنظام ومخابرات النظام الجوية والعسكرية تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا، ومع ذلك فإنهم كل هؤلاء ما زالوا شركاء الأمم المتحدة المعتمدين!

*"شركاء" أسماء الأسد ومخلوف وفوز
لقد نهب نظام بشار المليارات من أموال المساعدات، ووجهها لتمويل مجهوده الحربي ودفع رواتب مسؤوليه، ولكن الأمر لم يتوقف هنا، فقد كان هناك أيضا نهب من طراز آخر حيث فرض ضرائب على جميع موظفي منظمات الإغاثة، تتراوح بين 5% من مرتبات الموظفين السوريين و20% من مرتبات الموظفين الدوليين.

وتولت وزارة خارجية النظام برئاسة وليد المعلم دورها في نهب المساعدات عبر تقديم كيانات تابعة للنظام على أساس أنها "منظمات غير حكومية"، مثل "الأمانة السورية للتنمية" التي ترأسها أسماء الأسد، و"جمعية البستان" لصاحبها رامي مخلوف، ليكون هؤلاء وأمثالهم "شركاء" المنظمات الأممية "الرسمية" في توصيل المساعدات للشعب السوري بعدالة وشفافية!، علما أيضا أن أسماء الأسد ورامي مخلوف ووليد المعلم مدرجون في لوئاح العقوبات الدولية.

ولأن الأمم المتحدة لا تشترط على المنظمات "الشريكة" الإفصاح عن الشركات التي تتعاقد معها من الباطن، فقد بات بإمكان النظام أن يسرح ويمرح في هذا المجال أكثر، وباتت الشركات التي يمتلكها أعوان النظام تسيطر على كميات ضخمة من السلع والخدمات التي تقدم تحت بند المساعدات الأممية.

وتطرح "فورن أفيرز" عينة من تسلط النظام على منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، ومنها إجبار هذه المنظمات على شراء الهواتف المحمولة من شركة "سيريتل"، المملوكة لرامي مخلوف، كما تم إلزام الأمم المتحدة بإسكان طاقم عملها الدولي، والمؤلف من 150 فردا، في فندق "فورسيزون"، الذي يشترك في ملكيته وزير السياحة الخاضع لعقوبات دولية، ورجل الأعمال المشبوه "سامر فوز"، وهو أحد المنخرطين في إمداد النظام وغسل وتدوير أمواله، بل إن "فوز" منخرط في السيطرة على ممتلكات الفارين من النظام وحربه، بموجب قانون يحمل الرقم 10، وقعه بشار الأسد وشرعن عبره مصادرة ونهب أملاك ملايين السوريين.

ولم يترك بشار ونظامه باب نهب إلا ولجوه، ومنها صفقاتهم في تحويل الدولارات، إذ يُفرض على المنظمات تسديد كثير من نفقاتها، مثل رواتب موظفيها السوريين، إلى البنك المركزي بالدولار وفقا لسعر الصرف الرسمي، الذي يقل عن سعر السوق السوداء بنحو 25%، وهنا يحصد النظام الفارق بين سعري الصرف الرسمي وغير الرسمي. 

وهذا التلاعب على بساطته، يصب في خزائن النظام إيرادات لا تقل عن مليار دولار، وفقا لتقديرات متحفظة تعتمد على بيانات خدمات التتبُّع المالي الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة.

وليست وزارة الدفاع (المسؤول المباشر عن مختلف أوامر القتل والدمار).. ليست بعيدة عن حلقة نهب أموال المساعدات، فوكالات الأمم المتحدة تشتري إمدادات الدم من "بنك الدم" الخاضع لسيطرة وزارة الدفاع، وبالتالي فإن منظمة الصحة العالمية التي تقدم نفسها مداويا لجراح السوريين ومنقذا لهم، هي نفس المنظمة التي تدعم قاتلهم الأول ومدمر مشافيهم.

*تناقضان بشعان
ولإدراك مدى سيطرة بشار ونظامه على المساعدات الأممية، يكفي أن نعلم أن كل تمويل الأمم المتحدة، البالغ 1.2 مليار دولار، ذهب مباشرة إلى النظام في عامي 2013 و2014، وفي 2014، نقص هذا الرقم (1.2 مليار دولار) مبلغا تافها مقداره 6.5 مليون دولار، تم اقتطاعها على مضض لصالح المنظمات الدولية العاملة على الحدود مع تركيا، واستمر الحال على هذا المنوال في 2015، حيث لم تتلق المنظمات السورية غير الحكومية العاملة على الحدود (أي خارج سيطرة النظام) سوى أقل من 1% من إجمالي ميزانية مساعدات الأمم المتحدة المخصَّصة لسوريا.

وتشير تقديرات متفائلة إلى أن 2% من مساعدات الأمم المتحدة وصلت بالفعل إلى سوريين يحتاجون المساعدة، بل أن الأشد احتياجا كانوا أبعد الناس عن هذه المساعدات، لاسيما أولئك الذين كانوا قابعين في مناطق خاضعة لحصار النظام.

وفي الخلاصة فقد عززَت هذه المساعدات نفوذ النظام القاتل، بدل من أن تساعد ضحاياه، وهذا ليس التناقض الفاقع الوحيد، بل هناك تناقض لايقل بشاعة يتمثل في أن القوى التي تقف وراء فرض عقوبات ضد النظام، أي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا، هي نفس القوى التي تقدم قسما كبيرا من المساعدات الإنسانية.. مساعدات شكلت عامل التفاف على هذه العقوبات، أفرغها من مضمونها.

وترى "سبارو" من كل ما سبق أنه ما من حالة تفرض على الأمم المتحدة ووكالاتها النظر في سياساتها تجاه "سيادة الدول" وطرق عملها في تلك "الدول".. ما من حالة أوضح من حالة سوريا، ولذلك فقد حان الوقت لتتوقف الأمم المتحدة صفقتها مع الشيطان، ولتقرر بالفعل فيما إذا كان وجودها في دمشق يجلب للسوريين مضارا وكوارث أكثر مما يقدمه لهم من منافع.

وتبدو مراجعة الأمم المتحدة لمعاييرها أشد إلحاحا، في الوقت الذي سرع فيه النظام بالترويج لفكرة نهاية الحرب، وبدأ بمد يده ولسانه لطلب المساعدات في سبيل "إعادة الإعمار"، وهي مساعدات بلا شك لو تم ضخها تهون أمامها كل أموال المساعدات المباشرة وغير المباشرة التي تلقاها خلال السنوات الفائتة.

زمان الوصل
(109)    هل أعجبتك المقالة (98)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي