مؤامرة التوطين ومراجعة السياسات ضرورة ... د.محمد الخصبة

كلما هبت الرياح من حولنا برز اؤلئك الذين يمارسون الاستقواء على الأردن كعادتهم ، ولكن الواقع في هذه المرة أكثر تعقيدا واشد تهديدا وأعمق خطرا يجعل كل حر وطني ان يضع الخلافات في الرؤى جانبا لنكون صفا أمام حجم المؤامرة التي أشار إليها سيد البلاد ..
أما اؤلئك محترفي الاستقواء على الأردن فهم لا يعدمون الوسيلة ولا يفوتون الفرصة ، باحثون دوما عن المغانم ، رافضون دوما لحفظ الجميل ، يذكروننا في كل مناسبة  بان الأردن كخبز الشعير مأكول مذموم لنتذكر معهم المثل الشعبي القائل " يشربون من البئر ثم يديرون له ظهورهم " ونسوا اؤلئك أن من يشرب من بئر يدعوا له بالزيادة ويحفظ أرضه ويسهر على أمنه حتى يبقى هذا البئر معطاء حافظا ظمأهم ساقيا لعطشهم وليس أن يقثفوا به الحجارة عندما يرتوون ويترعون واهمين أن الأردن غدا بيدهم سهل المنال وان الكلمة لهم وما على الباقين سوى التسليم لأمرهم ..
وقفة الرجال في مجلس النواب في وجه من يستقوي على الأردن  ويبخسه حقه وفضله على القضية الفلسطينية ، وقفة تستحق التقدير والثناء وهم يرون بأم أعينهم أن الأردن هو أول من قدم دما ورجالا وخبزا لفلسطين وأكثر من قدم عونا ودعما وكل شيء لأهلها وأعظم من تحمل الأذى في سبيل  فلسطين حتى انطبق على الأردن وأبنائه  قول رب العزة "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" من بطالة وفقر وشح في الموارد ولكن الجاحدون يأبى خلقهم إلا أن يبقوا على ديدنهم في النكران ورفس النعمة ..
وقفتنا في الأردن مع غزة الإباء والصمود مشهودة ومحمودة أكثر أضعافا مضاعفة من بعض أولي القربى وأبناء جلدتهم في الضفة وغزة الذين كانوا يلومون المقاومة على صمودها واستبسالها وقد شهد لنا كل صادق وأمين وهاهو أمين عام جبهة العمل الإسلامي  زكي بني رشيد يقول بنفسه حافظا حق الأردن " إن الأردن أول قدم لغزة وان أكثر الفعاليات لنصرة غزة كانت في الأردن " بينما غمغم آخرون وانقصوا الأردن حقه وتشدق لاهثون ورذاذ الحقد يسيل مع لعابهم فاغرين أفواههم متحمسين  ومدعين في بعض الفضائيات أن نسبة الفلسطينيين في الأردن 75% وهم يوجهونهم  ويحرضونهم على التحرك لنجدة أهلهم في غزة؟!!! 
إن ما يؤسف له ان يتنقل البعض كالحرباء من فضائية إلى اخرى وهو يغمز قناة الأردن ويردد مقولات وإيحاءات تسيء إلى الأردن محاولا جهده أن يوصل اكبر إساءة للأردن وموقفه دون أن يترك أو( هكذا يعتقد ) انه لا يترك ممسكا قانونيا عليه  وكأنه يقول " امسك الجمل وخذ باجة " ويكفي هنا أن أشير الى نائبة سابقة تتنقل بين الفضائيات بنبرة عالية  تتحدث بشكل متكرر وملفت للانتباه واحيانا بطريقة الحشو ان نسبة الفلسطينيون في الأردن 60% في معرض حديثها عن العدوان على غزة .. لنضع ألف علامة سؤال واستفهام ؟!!!! 
لن ينقص الفهم والتحليل رجالاتنا في الأردن أن ما حدث في غزة له ما بعده وان ما بعد حرب غزة ونتائجها مستجدات كثيرة رافقت الحالة النفسية والوجدانية والتعبوية وطبيعة العدوان والمتغيرات ونتيجة المعركة التي عجزت إسرائيل على حسمها رغم استخدامها للورقة الأخيرة والقوة المفرطة وعجزت معها كل القوى الدولية والإقليمية والفلسطينية  في الضفة القضاء على حماس أو حتى أضعافها بل خرجت حماس أكثر قوة وعنفوان في واقعها وفي نفوس الفلسطينيين وهو ما دفع حماس إلى الحديث عن المرجعية الفلسطينية والتمثيل الفلسطيني في الداخل والخارج وارض الشتات سواء بإصلاح المنظمة واستلام قيادتها ديمقراطيا او بتشكيل مرجعية جديدة اذا بقيت المنظمة تغلق أبوابها في وجههم وحديث القيادي البارز محمود الزهار واضحا اذ قال  لقد حصلنا على الشرعية الجهادية كحركة مقاومة من تضحياتنا وحصلنا على الشرعية الدستورية بالانتخابات وشكلنا الحكومة والآن من حقنا الحصول على قيادة وريادة وشرعية التمثيل الفلسطيني في الداخل والخارج  والشتات بعد الانتصار في  غزة وهم يدركون ان شعبيتهم في نفوس الفلسطينيين بلغت ذروتها لاسيما فلسطيني الشتات فعلا وقولا وولاء وانتماء وهم يتحركون على هذا الأساس ومن يتابع فضائية الأقصى يجد ان غالبية الاتصالات في البرامج الحوارية والمباشرة التي تقدم الولاء والانتماء والتأييد لحركة حماس هي من الأردن وتحت أسماء مستعارة ( أبو فلان وأبو علان )، وقد ذهب الكثير من المحللين للقول ان كل أسرة فلسطينية بل وكل فلسطيني في العالم كله مهما كانت جنسيته والجواز الذي يحمله أصبح فيه حماس وحماس تسكنه سواء أكانت في القلب او العقل او الجوارح او الوجدان وكل ذلك يؤدي الى تعميق الولاء والانتماء والتنظيم والاستعداد الجماعي لتنفيذ توجيهات حماس مستقبلا وهي حقيقة لا يمكن دفن الرؤوس أمامها ومن يوهموا أنفسهم بغيرها سوف تداهمهم الأحداث وهم لا يشعرون..
لقد أمضينا حين من الدهر في الأردن أشغلتنا فيه منظمة التحرير الفلسطينية في مناكفات أتعبتنا واستنزفت قدراتنا وكنا دائما المتسامحين الكاظمين للغيض والعافين عن الناس عندما حاولت الاستيلاء على السلطة وأعاننا الله على حسم الموقف واعتقدنا ان الأمور حلت واذ بهم يعودون للصراع والمناكفة من جديد تحت غطاء تمثيل الشعب الفلسطيني إلى أن حسمت  قمة الرباط الأمر وأعطت المنظمة ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني  ومرة اخرى اعتقدنا بطيبتنا أن الأمور حلت وإذ بالمنظمة تعود لنا بالصراع والمناكفة من باب التشكيك بنا وأخذت علينا حفظنا للمقدسات في القدس الشريف واستخدمت كل أساليب التشويه إلى ان حسم الأمر جلالة المغفور له ابو عبدالله الحسين واتخذ قرار فك الارتباط بين الضفة الغربية والأردن وكان لهذا القرار توابع وإجراءات قانونية وإدارية وسياسية من حق الأردن استكمالها ... سيما بعد تغير الواقع الآن بعد حرب غزة الذي أصبح أكثر تعقيدا واشد  تهديدا وأعمق خطرا واضعف تركيزا وسيطرة لأننا أصبحنا أمام واقع عقائدي فلسطيني وحماسي متمكن وتعبوي متنامي وإعلامي دائم ومكثف ومتطور تصاعديا ومدعوم بقوى ودول قادرة ومقتدرة خارج السيطرة المحلية والإقليمية والدولية يشد الانتباه ويثير الحماسة ويعبئ النفوس ويحرك التطلعات الفلسطينية لتقرير المصير باستقطاب الولاءات الفلسطينية لتحقيق الأهداف وتلك التطلعات بكل الوسائل وبشكل  جارف لا يمكن تقديره وتوقع أساليبه ومضامينه وعظم تأثيره على الشعب الفلسطيني ولعل هذه الاستقواءات على الأردن التي سمعناها وشاهدناها منذ اليوم الأول للحرب بأساليب وإساءات مختلفة هي بوادر ذلك ، وأول النط حجلان ، ولا اعتقد ان السيطرة عليها مع قادم الأيام أمر سهل وهين كما كان في السابق إذا لم تتخذ قرارات وإجراءات حاسمة وحازمة واستكمالية لقرار فك الارتباط ومنع التوطين .      
لقد أشار احد قادة الكتل النيابية في البرلمان إلى ذلك مبكرا عندما تحدث عن حقيقة التوطين والوطن البديل القائمة واقعا وما قد يترتب عليه من خطورة نتيجة القصور في معالجة واقعه وتداعياته لافتا إلى أن الحكومات المتعاقبة قصرت في معالجة هذا الملف وهو ملف خطير بالفعل لا سيما بعد هذا الاستقواء وما استجد من معطيات بعد حرب غزة ونتائجها ،وهو ما ما اعترف وأشار إليه الكثيرون ومنهم همام سعيد المراقب العام للإخوان في الأردن وعدنان ابو عودة صراحة إلى إن التوطين والوطن البديل أصبح واقعا بحكم الحقائق على الأرض ..وان ما يستدعي الخطر أكثر هو الحديث المتداول في الصحافة الغربية بعد ذلك المقال المشهور عن فكرة الحل بثلاثة دول والغريب ان هناك من يروج للمقال  بالقول ان الفلسطينيين سوف ينعمون بالرفاهية والاستقرار في الأردن أكثر من استقلالهم بدولة منفصلة وكأن الأردن ارض بوار مستباح  وخاليا من أهله وأجداده وكأن المسألة رفاهية ولا علاقة لها بالكرامة والعزة والوطنية وارض الآباء والأمجاد والهوية وتقرير المصير ..
لقد كان جلالة الملك عبدالله أبو الحسين واضحا وصريحا وصاحب رؤى ثاقبة حين دق ناقوس الخطر في بداية الحرب على غزة وقبل ان يستقوي على الأردن اؤلئك .. وقبل ان تضع الحرب أوزارها بان هناك مؤامرة ... لذلك فان الاستقواء على الأردن مرفوض تحت أي شعار ومراجعة بعض  السياسات واستكمال بعضها الآخر التي تتعلق بالواقع الفلسطيني وفك الارتباط  ومنع التوطين أصبحت ضرورة ملحة على ما سواها والعاقل من أدرك الأمور قبل فواتها وعزل الأرض قبل بوارها وامسك الفأس قبل أن تقع في الرأس..

(99)    هل أعجبتك المقالة (98)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي