اتفقنا أخيراً على المبلغ.
همس به في أذني وهو ينحني نحوي:
- عشرة جنيه يا بيه.
قالها وأعتدل في وقفته. ثم رمقني بنظرة باردة منتظراً إجابتي.
هززت رأسي وسكت. وكنت سعيداً بداخلي لأنني انتصرت عليه. طلب مني في البداية خمسين جنيهاً. وحين رآني أنصرف عنه خفضها إلى ثلاثين. ولما زاد نفوري عنه أتاني اليوم صاغراً يهمس به في أذني.
هي زوجته.
تعمل معنا في العيادة التي أكون بها ليلاً.
يحلو له حين تكون العيادة فارغة أن يناديني:
- يا دكتور باشا.
يأتيان قبلي إلى العيادة.
هي تنظفها. وهو يعمل تومرجي. وحين أجيء يصر على أن تصنع لي زوجته فنجان القهوة. يقول أنه لا توجد امرأة في الدنيا تعمل قهوتها.
تصنعها وتأتي إلي بها. تتمايل وهي تقدمها لي وقد أظهرت جزءاً كبيراً من نهديها. ويكون هو واقفاًً أمامي يبتسم.
ينهرها حين تميل بنهديها إلى مكتبي وهي تضع القهوة:
- اتعدلي يا بت. الدكتور مش بتاع الكلام ده.
يقولها ويضحك.
تقرب هي فنجان القهوة من فمي هامسة:
- ده له في الكلام ونص.
أنتفض واقفاً وانهرهما. فيسحبها ويخرج.
وتتكرر المحاولة. وحين تهدأ العيادة من المرضى أراه يمسك بالريموت. يقلب في قنوات التلفزيون دون أن يثبت على واحدة منها. ويكون باب حجرة الكشف التي أجلس بها موارباً مما يسمح لي برؤيته. وأسمع صوتها تناديه. تحب دائماً أن تتمايع عن قصد وهي تناديه:
- سي السيد. تعال.
وأراه يختفي نحو الصوت.!
لحظات ويأتيني. يهمس لي بعد أن يجلس أمامي في المكتب.
- مفيش مرضى.
وحين لا أرد يعقب:
- كفاية كده النهاردة. تلحق تريح لك شوية يا بيه.
يقولها بينما أكون أنا ناظراً إلى شاربه الكث الشائب والذي ينتصفه أثر داكن من التدخين. وأكتفي بالصمت.
يسكت لفترة ثم يسألني في برود:
- مش ناوي؟
- على إيه؟!
- تتجوز؟!
يقولها ويضحك.
وأقول أنني لا أفكر في الموضوع. يتظاهر بالتعجب وهو يسرد علي مميزاتي كعريس لقطه جاهز من كل شيء ومنصبي مرموق. ثم يبتسم وهو يغمز بعينه:
- ولا ملكش في الموضوع يا بيه.
أفهم ما يرمي إليه. الخبيث. يعرف أنني أعزب أعيش بمفردي. وأنني أعمل بالعيادة الليلية لأوفر. ما أوفره منها لا يكفي تكلفة الزواج. رغم اقترابي من الأربعين.
اسمع صوته يأتيني:
- جربت قبل كده؟!
أتعجب لجراءته فأسكت. ويقول أنني يجب أن أجرب. وأنه على استعداد لمساعدتي. يقولها ويحلف:
- آه والله يا بيه.
يهز رأسه مبتسماً ويكمل:
- بعد العيادة أخليك تجرب.
وأراه يقف.
يأمرها بمسح العيادة.
تبدأ هي بحجرتي كعادتها.
أراها تسجد على الأرض بيدها خرقة قديمة تمسح بها. تبالغ في كشف ساقيها متعمدة. بينما يراقبها هو عن قرب. يلاحظ نظراتي نحوها. يبتسم وهو يذكرني:
- بعشرة جنيه زي ما اتفقنا.
تلاحقها عيناي وهي تتلوى على الأرض. وحين تكف واقفة ينظر نحوي وهو ما زال على ابتسامته:
- تغسل نفسها وترجع لك. أنا قاعد برة. بعد ما تخلص ما تنساش. العشرة جنيه يا بيه.
أجلس مذهولاً من جراءته.
ويبتعدا.
يجلس هو على الكنبة الخارجية مواجهاً للتلفزيون. يمسك بالريموت. يقلب فيه كعادته دون أن يستقر على قناة. لحظات وتأت هي. تغلق الباب خلفها. تخلع عنها ملابسها وتتمدد على الشيزلونج.
أقترب منها بينما يكون بنطلوني قد وقع إلى قدمي معيقاً حركتي. وحين أتكوم فوقها أنتفض قبل أن أدخلها.
تضحك هي في خلاعة:
- هي كده أول مرة.
وأقوم.
ترتدي ملابسها وهي مازالت على ضحكتها. بينما تكون عيناي نحو الأرض وكأنما أبحث عن شيء ما قد ضاع مني. تعدل من جلبابها وتخرج.
أقف أنا مرتبكاً في مكاني. تكاد قدماي أن تخران من ثقلي فأسقط واقعاً. أستجمع قوتي واتبعها. أراه لا زال جالساً يقلب في الريموت. متكئاً بذراعه على مسند متوهج العينين.
لم يلتفت إلى وأنا أمد إليه بالعشرة جنيهات. فقط كانت عيناه زائغتان تلمعان وهما ثابتتان مكانيهما.
عند الباب وقفت للحظة.
رأيتها تقترب منه.
تكومت على المقعد جواره دون حركة.
رمقتهما لبرهة شارداً وكانا صامتين.
وخرجت.
سي السيد .... خالد عاشور
قاص من مصر
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية