أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المصلحة السفلى للوطن ....محمد بغالي

قد يبدو قرار سلطات ولاية مستغانم بتهديم معلم ثقافي كمسرح "الموجة"، فعلا معزولا في الزمان والمكان، أقصاه أن تخط لأجله بضع كلمات تحشر حشرا في إحدى صفحات "المحلي" أو "الجزائر العميقة" لإحدى الجرائد.

لكن العارفين بحجم المعلم وزخمه يدركون حق الإدراك بأن الخطب جلل، وبأن القرار هو أشبه بعملية اغتيال تتجاوز الجسد إلى الروح والعقل، فـ"الموجة" يمثل قطعة عزيزة وتكاد تكون مقدسة من ذاكرة الجزائريين الثقافية والإبداعية، فهي تثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن هذا الشعب ليس بدائيا ولا متخلفا، بل يملك الكثير من تقاليد التمدن والتحضر مع المسرح والسينما والكتاب والفنون التشكيلية، ومع غيرها من مجالات التميز والجمال.

قد يضع أصحاب القرار "محاولة اغتيالهم" تحت بند "المصلحة العليا للوطن"، وهو البند الذي يفترض أن تخرس أمامه كل الألسنة وتجف كل الأقلام، لكن العذر يصبح أقبح من كل ذنب عندما نتذكر بأن هؤلاء، وعملا بالمثل الشعبي القائل "محڤورتي يا جارتي"، لم يجدوا إلا شجرة المسرح اليتيمة ليقطعوها، وسط غابة الرداءة الكثيفة، ولم تكفهم 2 مليون من كيلومترات الجزائر المربعة لشق الطرق وتهيئة الأرصفة وتشييد الجسور، حتى تمتد يدهم إلى هذا المعلم الذي يشكو ندرته.

الآن وقد أدركنا حجم "الجريمة"، حق لنا أن ننتظر ردا يضاهيها في الرمز والقوة، من سلطات الدولة العليا، فكما قاومت وزيرة الثقافة بشراسة وحزم مبادرة تشويه ضريح بقسنطينة، عليها اليوم أن تنتفض ضد قرار تهديم "الموجة" بمستغانم.. عليها أن تعامل معالم الأحياء نفس معاملة معالم الموتى.

الدولة الجزائرية مطالبة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بأن تهب للدفاع عن العقل فيها، حتى لا تنجح سلطات مستغانم في إنتاج سابقة خطيرة تتحول بعدها المعالم الثقافية فوق هذه الربوع إلى فضاءات يهدر دمها القوي والضعيف، ويستبيح شرفها العاقل والمعتوه.. وربما سمعنا في المستقبل عن قرار بتحويل قاعة المسرح الوطني إلى مرحاض عمومي، والمسرح الروماني بتيمقاد إلى مفرغة، ومتحف الباردو إلى مركز عبور.. فكل شيء يهون لعيون "المصلحة السفلى للوطن".

(105)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي