نالت أحقاد نظام الأسد من كل الأجيال السورية دون استثناء حتى أولئك الذم يقضون آخر أيامهم يغادرون بصمت وحتى دون وداع يليق بهم، ولا أحد من أحبتهم يلقي عليها نظرة أخيرة أو حتى يغمض لهم عيونهم المحدقة في فراغ الوحدة.
صفحة "دمشق الآن" الموالية نشرت ما جاء في منشور لما يسمى "مدير الهيئة العامة للطب الشرعي في سوريا "زاهر حجو" الذي وصف ما يحصل مع الطاعنين في السن الذين يموتون وحيدين في منازلهم دون أن ينتبه لهم أحد، ولا يفضح هذا الموت الفظيع سوى رائحة الجثث المتعفنة.
يكتب المذكور منشوره تحت عنوان "ظاهرة مقلقة"، ولكنها بالتأكيد أكبر من ظاهرة هي فجيعة سببها نظام قاتل ترك هؤلاء العجائز تحت رحمة الوحدة..يكتب حجو: (يكاد لا يمر يوم إلا وتقوم أحد مراكز الطب الشرعي في المحافظات، بفحص أحد الكهول أو المتقدمين في العمر: وهو متوفي وحيداً في منزله، وذلك بعد أن يقوم جيرانه باكتشاف وفاته، بعد تصاعد روائح التفسخ الكريهة نتيجة موته منذ أيام ودون أن يلتفت إليه أحد).

يسترسل "حجو" في البحث عن السبب في محاولة مفضوحة منه للتعمية عن المجرم من خلال أسئلة ساذجة يعرف أصغر سوري أجوبتها: (أين أسرته ولماذا بقي وحيدا؟ هل من المعقول شكل هذه النهاية...في الظاهر وفي الناحية العملية: الوفاة طبيعية وغالباً ما تكون نتيجة احتشاء قلبي، ولاوجود لجرم أو شبهة جنائية).
وفي ملامسة لبعض الحقيقة يقترب حجو من السبب دون المسبب: (أما في الحقيقة وفي سبر الأعماق: فإن جريمة قد ارتكبت بحق هذا المسن، جعلته وحيداً: نتيجة هجرة عائلته وفئة الشباب منهم خصوصاً، وجعلت كثيراً من بيوتتا خاوية فارغة...وفي النتيجة: تمسك هذا المسن بمنزله وبمسقط رأسه: فاحتشى قلبه حزناً وألماً وكذلك فعلت روحه).
ومن ثم تأتي الكلمات الجوفاء التي تبيع الأمل وتتناسى الواقع الذي تسبب لهؤلاء بكل هذا الوجع لهم ولأبنائهم الذي أجبروا على الهروب من بلادهم، وكأن الهجرة كانت طوعية بحثاُ عن العمل أو السياحة، وليست اليد الآثمة من مجرمي الحرب الأسد وحلفاؤه: (من أخطر ارهاصات ومفرزات هذه الحرب: هجرة الشباب السوري: والتي يجب إيجاد حل سريع لها قبل أن يبقى الوطن وحيداً حاله حال ذلك المسن المسكين، وهذا ما لن نسمح به).
يتحدث هؤلاء وكأنهم يمتلكون مفاتيح الحل السوري، وتركوا الوطن كتلة اسمنت محطمة يحرسها الغرباء ويمنعون عنها أبناءها.
ناصر علي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية