كنا بعد شبابا يافعين عندما اندلعت شرارة الثورة الإسلامية في إيران، ولم يكن من الممكن لنا إلا أن نتفاعل مع هذا الحدث الجلل الذي يحدث في بلد كان عمليا يشكل الواجهة الأمامية وممثلا حقيقيا لكل البشاعة للغرب الاستعماري في المنطقة، وقد كان من غير المنطقي الاعتقاد بان الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص سوف تسمح بان يحدث التغيير في هذا البلد الذي مثل لفترة طويلة اليد الطولى لقوى الاستعمار والهيمنة وخاصة في ظل الحرب الباردة التي كانت مستعرة في تلك الحقبة من الزمن.
ما جرى هو أن الثورة استطاعت أن تنتصر على أحد أهم الطغاة الذين حكموا شعوبهم بالحديد والنار والتعسف، ولم يكن من الممكن للثورة أن تنتصر إلا بعد أن قدمت من التضحيات آلاف الشهداء والجرحى، وضاقت الدنيا على الدكتاتور بما رحبت بحيث لم يجد من هو على استعداد أن يستقبله ولم يكن أمامه في ذلك الوقت سوى أن يستغيث بالرئيس المصري أنور السادات الذي رمى نفسه ومصر في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية ليشكل ربما البديل للشاه الذي سقط سقوطا قل نظيره، ولم يتوقف الأمر عند ذلك لا بل وحتى بعد موته ضاقت الدنيا من جديد أمام الشاه المخلوع ليجد بصعوبة جمة قبرا يأوي جثمانه.
كان الأمر بالنسبة للفلسطينيين أن انتصارا تحقق لصالحهم خاصة وان احد أهم حلفاء الغرب والكيان الصهيوني قد سقط أمام هيجان الثورة، وكان أول غيث تلك الثورة أن تم إغلاق سفارة الكيان الغاصب وتحويلها إلى سفارة لفلسطين في العاصمة الإيرانية، هذه العاصمة التي جعلها الشاه المخلوع عصية على منظمة التحرير الفلسطينية، وتوالت بعد ذلك مواقف القادة الإيرانيين المؤيدة للقضية الفلسطينية وفي دعم القضية الفلسطينية، كما تميزت علاقة قادة إيران بعد الثورة وخاصة بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بحيث كان يجد قبولا من لدن هؤلاء لا يجده الكثير من قادة الدول العربية، وكان لتلك العلاقة المميزة الأثر الأكبر على تطور العلاقات الفلسطينية الإيرانية.
برغم كل ما تعرضت له إيران من محاولات للتآمر والتشويه لمواقفها إلا أنها ظلت مستمرة في نهجها الذي اختطه لنفسها في التخلص من آثار الحقبة السابقة وسارت في طريق النمو والتطور بحيث أصبحت واحدة من الدول القليلة التي شبت عن طوق التبعية والاستعمار كما التخلف، وصارت في مصاف الدول التي يمكن لها أن تفاخر بما وصلت إليه من تقدم في شتى الميادين وخاصة فيما يتعلق بالمجال الصناعي برغم كل المحاولات التي استهدفت هذا التطور من خلال فرض الحصار والمقاطعة وكل السبل - غير المشروعة-التي يمكن أن تساعد على كبح جماح هذه الاندفاعة.
خلال السنوات الأخيرة والتي أرادت إيران الحصول على التكنولوجيا النووية والتي أكدت دوما أنها تبغي من وراءها تطوير - البلد- وان لا علاقة لهذه التكنولوجيا بالأسلحة أو التصنيع العسكري وان هذا البرنامج ليس سوى برنامجا سلميا ولا يراد منه الوصول إلى صناعة القنبلة النووية، تعرضت الى هجوم من كل صوب وحدب وصار الحديث وخاصة في الدول العربية - الكثير منها- عن الخطر الإيراني الذي يتهدد الأمة العربية وأقطار الوطن العربي، وقد تم الخلط في أحايين كثيرة بين ما هو تهديد عسكري، وبين من يقول بان إيران تبغي السيطرة على المنطقة من خلال المد غير المسبوق للمذهب الشيعي، كما تم ربط الدعم الذي تقدمه إيران لحزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية وخاصة حماس والجهاد الإسلامي بذلك، هذا بالإضافة إلى التدخلات الإيرانية في العراق التي قال البعض إنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من السياسة الخارجية الإيرانية، وأنها تدور في الفلك الإيراني بعد أن قامت أميركا باحتلال العراق في غزوها وحربها الغادرة عام 2003.
الحقيقة أن التخويف من إيران لم يكن بمثل هذه الطريقة من التضخيم قبل أن يتم احتلال العراق، وصار يقال عن أن هذا الاحتلال وغياب - العراق القوي- سهل على ايران تحقيق ولو بعضا من أهدافها- صحيح انه كان هناك من يخوف من تصدير الثورة في البدايات، وهذا التخويف كان محصورا ولا يتم بالشكل الذي نراه اليوم- لكن السؤال هو، أو ليس من يقوم بالتخويف من خطر إيراني مزعوم هم من تآمروا على العراق وساهموا في احتلاله والتخلص من نظامه السياسي، او لم يشاركوا بكل ما يمتلكون من وسائل من اجل احتلال العراق.
بالإضافة إلى ذلك، فان السؤال لهؤلاء الذين يتباكون على العراق الواهن الضعيف هو، ما الذي فعلوه من اجل المحافظة على العراق ليبقى في - الحضن العربي- هل تقدم احد من هؤلاء بمشروعه لما بعد التخلص من - العراق القوي- ونظامه، هل كانت لدى أي من هؤلاء خططا لما بعد التآمر على العراق، أو ليست الدول هي مصالح معينة، ولماذا لوم إيران بعد أن سقطت بغداد تحت الاحتلال، لماذا لا يوجه هؤلاء اللوم إلى ما اقترفت أياديهم ضد العراق، أو في أحسن الأحوال وإذا كان هؤلاء يشعرون بالخجل من توجيه اللوم إلى أنفسهم، لماذا لا يوجهون اللوم إلى أميركا التي دمرت البلد وأزالت أساسات الدولة العراقية، وقضت على كل إمكانية لعودة العراق إلى بلد قوي يحسب حسابه، لماذا لا يقولون بحق أمريكا ما يقولونه بحق إيران.
نعتقد بان على العرب وبدلا من توجيه الانتقادات إلى إيران وبدلا من هذا التخويف غير المبرر، ومحاولاتهم الحثيثة على تغييب الخطر الإسرائيلي والتركيز على خطر إيراني هو موجود فقط في أذهانهم - وذلك لعمق شعورهم بالعجز الذي يشعرون من خلال ربط بلدانهم ومقدراتها وقراراتها وسياساتها- أن يبادروا إلى إجراء حوار عميق وجاد يميل نحو تعميق العلاقة مع إيران، لان من غير المنطقي أن تجري أميركا أو أن يكون لديها خططا لمحاورة إيران، بينما من يأتمر بأمرها ويشعر بان خطر إيران يهدده لا يجرؤ على أن يكون لديه مثل تلك الخطط،، إن من غير المنطقي أيضا أن يظل هذا التنظير لعداء إيراني ولأطماع إيرانية فيما يتم غض الطرف عن كل هذا الذي تمثله إسرائيل منذ نشأتها.
يبدو ان هناك من العربان من يغيب عن ذهنه أن إيران دولة رئيسية ومحورية في المنطقة وان لها مصالح وان من حقها أن تسعى إلى تحقيق تلك المصالح، وإذا ما أريد لأي كان أن يضع حدا لمثل هذه المصالح فعليه أولا أن يبتعد عن المحاور العالمية، وان يفرض بإرادته واستقلال قراره ما يشاء ،لا أن يبقى مرتبطا بالغرب تابعا ذليلا ومنفذا لسياسات هذا الغرب الاستعماري.
الشعور العربي بالعجز لا يجيز لقادة العرب أن يخوفوا شعوبهم من إيران، وهذا - التكثيف- والحديث المكرر عن وفي هذا الشأن لن يكون مفيدا، خاصة وانه ثبت بان الموضوع له علاقة بالممانعة والمقاومة وليس بأطماع أو غير ذلك.
المصلحة العربية بتقديرنا هي في إقامة أفضل العلاقات مع إيران وليس في استعدائها والتخويف منها، كما نعتقد بان هنالك إمكانية لاتفاق مع إيران في وعلى الكثير من القضايا، بالإضافة إلى إن بالإمكان خلق الكثير من العوامل المشتركة مع الدولة الإيرانية بدلا من الترويج لإقامة أفضل العلاقات مع الدولة الصهيونية، كما ونعتقد بان مثل هذه العلاقة - الحسنة والجيدة- مع إيران لا يمكن أن تكون إلا من خلال موقف عربي موحد ومن خلال صحوة عربية باتجاه تشخيص مصالح الأمة ومعرفة أين تكمن، وهي - الأمة- في حالة وحدتها وابتعادها عن التبعية للغرب يمكنها ان تواجه العالم كما انها لن تبقى خاضعة لمخاوف "تعشعش" فقط في أذهان من صنعوها، مخاوف غير موجودة ولا ساس لها إلا في العقول المريضة والقلوب الواجفة.
17-2-2009
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية