لا تزال الحرب الصهيونية على غزة مستمرة، ولا يزال العدو الصهيوني يسعى جاهداً لتبديد تضحيات غزة وإحباط إنجازات المقاومة، مستعيناً بحلفائه الغربيين ومحور "التواطؤ" العربي، مما يجعل من السابق لأوانه الحديث عن النصر أو الهزيمة، إذ تتوقف نتائج الحرب على قدرة شعبنا الفلسطيني بقيادة حركة حماس على إدارة الصراع بثبات وذكاء.
لا شك أن المقاومة انتصرت بجدارة على العدو الصهيوني، واستطاعت أن تفشل أهدافه السياسية والعسكرية، وردت جيشه خاسئاً مدحوراً. ولكن هذا النصر قد يتبدد تحت وطأة التآمر الصهيوني والغربي الذي تشارك فيه أنظمة عربية، والذي بلغ أشده في هذه المرحة الحاسمة، بعد أن تمكن العدو الصهيوني من تدمير عشرات آلاف المنازل والمنشآت الأهلية والحكومية، وبعد أن أثخن الجراح في غزة، مما وضع حركة حماس - التي تقود الصراع العسكري والسياسي مع العدو الصهيوني - بين مطرقة الحاجة الماسة لإعادة إعمار غزة وتخفيف المعاناة عن أهلها وبين سندان الضغوط السياسية الهائلة.
فالاستجابة لشروط الاحتلال المتعلقة بفك الحصار عن غزة ترجع شعبنا إلى الوراء، وتبدد تضحياته الجسيمة، وتحبط إنجازات المقاومة. كما تهدف تلك الشروط إلى بعث الحياة في التسوية الاستسلامية وفريقها بقيادة محمود عباس، وتحمل جزءاً من شعبنا على فقد الثقة في نهج المقاومة وجدواها. ومن جهة أخرى، سيؤدي امتناع حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى عن الرضوخ للضغوط الصهيونية إلى استمرار معاناة غزة وتفاقمها، ولا سيما بعد تشديد الحصار وتدمير عشرات الأنفاق التي تعتمد عليها غزة في إدخال مستلزمات الحياة ومقاومة الحصار. كما لا تفي تلك الأنفاق حتى بعد إصلاحها وإعادتها للعمل بشكل طبيعي بحاجة غزة لإطلاق عملية الإعمار.
كل ذلك يزيد من الأعباء الثقيلة الملقاة على عاتق حركة حماس والحكومة التي تتولاها، ويحد من خياراتها في مواجهة التعنت الصهيوني والتواطؤ العربي، ويزيد من معاناة شعبنا في غزة إلى حد لا يطاق. وهنا لا بد من الانشغال بإدارة الصراع السياسي والعسكري مع العدو الصهيوني وحلفائه وشركائه أكثر من الانشغال بإدارة غزة وإعادة إعمارها. فرغم قسوة المعاناة، لا يستطيع شعبنا أن يتحمل الثمن السياسي الباهظ لإعادة إعمار غزة، ولا يستطيع أن يلغي مشروع المقاومة من أجل الحصول على شرعية دولية غادرة ومخادعة.
ولذلك لا يوجد أمام حركة حماس وشعبنا مخرج من هذا المأزق الكبير إلا بالاستمرار في رفض الشروط الصهيونية لفك الحصار وإعادة الإعمار، وتطوير مستوى التفاعل الشعبي العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية لحد يجبر محور "التواطؤ" العربي على التخلي عن مواقفه المعادية لشعبنا ولمقاومته، وهذا لا يكون إلا بتصعيد المقاومة وتحويل الحصار على غزة إلى حصار على الأنظمة العربية المتواطئة والعدو الصهيوني وحلفائه الغربيين. ومن المهم في هذا الصدد أن تدرك هذه الشعوب وقواها السياسية والدينية أن الحرب الصهيونية على شعبنا الفلسطيني ومقدساته لا تزال متواصلة، بل ازدادت شراستها، ولهذا فإن دور هذه الشعوب لم ينته، بل بدأ الآن بالفعل.
وتشمل إدارة الصراع مع العدو الصهيوني إلى جانب المواجهة العسكرية عدة مجالات، وفي مقدمتها الصراع مع شركائه الفلسطينيين في عملية التسوية والملفات المتعلقة بهذا الصراع، كالحوار والمصالحة والانقسام وتشكيل حكومة جديدة. ومنها أيضاً الصراع مع النظام المصري، الذي يمثل دور الوسيط بين حركة حماس والعدو الصهيوني، بينما هو في حقيقة الأمر يشارك في الحصار ويمارس ضغوطاً هائلة على حركة حماس لصالح العدو الصهيوني. والحديث عن هذه المجالات يحتاج إلى مقالات أخرى.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية