انتهت قضية صحفيي التلفزيون حول عرضهم للرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول، ببراءتهم جميعا، وهذا ما توقعناه في مقالنا السابق حول القضية، ولكن كان ذلك على أساس أن وقائع المتابعة قد حدثت قبل صدور القانون الذي يتضمن المادة 144 مكرر 02 من قانون العقوبات الجزائري، وليس على أساس عدم قيام الجريدة لانعدام القصد الجنائي. وهذا مربط الفرس، حيث رأينا كل الصحفيين المتابعين والمسؤولين منهم على الأخص يرمون بالمسؤولية عن الآخر، أو تبرير تمرير ذلك على أساس قصر التجربة، المهم في كل ذلك لم يدافع أحد عن تطبيق القانون تطبيقا سليما، ولا عن حرية الرأي، بل أدركت في تصريحاتهم المنشورة في جريدة الشروق اليومية، أنهم يعترفون بذنب ممارسة حرية التعبير سهوا وعن غير عمد، ولا يعلمون أصلا أنهم تجاوزوا عتبة العبودية.
إنني تذكرت قول ألبير كامي في كتابه المتمرد: "أن العبد لا يمكن له أن يتحرر إلا عندما يقول لا".
وفهمت لماذا لم تتحرك هيئات حقوق الإنسان والنقابات المهنية للدفاع عنهم، لأنه مهما وقفوا في وجه السلطة واستعملوا جميع الوسائل من أجل تحريرهم فإنهم لا يستطيعون ذلك، وسيبقى هؤلاء عبيدا لمن يحكم المؤسسة التي يرتزقون منها، أو للحاكم الذي يتسلط على البلاد والعباد. فحقيقة هؤلاء أنهم، ما زالوا صغارا، لم يتعلموا بعد كيف ينطقون كلمة "لا"، ولذلك فلا سبيل لتحريرهم.
ومن هنا فعلى كليات الصحافة والإعلام على الخصوص ألا تعلم الناس فن العمل الصحفي، قبل أن تعلمهم كيف ينطقون كلمة "لا"، وعليهم أيضا أن يبسطوا مفهومها لعقولهم الصغيرة. كي تكون المرحلة الاولى لكي يتعلموا كيف يتكفلون بوسيلة مهمتها تحقيق حرية الآخرين.
وأنا لم أندم حين دعوت للدفاع عنهم كما يتم الدفاع عن أي صحفي، لأنني لم أقصد الأشخاص بل كنت أقصد العمل على إعطاء الهيبة للمهمة النبيلة، لأن في رأيي أن سيف الحبس قد أشهر في وجه الذين تعلموا كيف يقولون "لا"، الذين أتقنوا ممارسة الحرية ولو في عمق ذواتهم، بالرغم من القيود التي تحيط بهم. ولم أزل أدعو للدفاع عن حرية أي شخص حتى ولو كان الذي تم المساس به عبدا ما زال راضيا كل الرضا بالحالة التي هو فيها. والنضال على القضاء تماما على فكرة العبودية أصلا، وعندها فإن هذا العبد سيتحرر بدون شك، ويستلذ متعة الحرية عندما لا يجد من لا يستعبده، ويتعلم حينها ما هو الفرق بين أن تكون عبدا وبين أن تكون إنسانا حرا.
ولا أجد ما أقول لهؤلاء الصحفيين إلا قول الشاعر المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية