أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

النساء والمجتمع بين تضييق التنظيم وتفريط "الاتحاد الديمقراطي"

مجندات يستقبلن نساء خرجن من مناطق التنظيم

في شريط فيديو نشر خلال سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على شرق حلب قبل سنوات، ظهر قرابة 50 رجلا من الأهالي مطوقين بمسلحين مقنعين، بينما يقرعهم قيادي في التنظيم ويهددهم بالقتل "فسخا" بين سيارتين في حال عدم تقيدهم في تغطية النساء ومنعهن من استخدام المكياج والتبرج.

وسأل القيادي في تنظيم "الدولة" -الصاعد حينها- هل ينفع الكلام معكم أمّ لا ينفع؟ فجاء الجواب الجماعي تحت تهديد السلاح بالإيجاب، ثم تابع الرجل وعيده وتهديده بأنه سيعاقبهم شر العقاب إذا شاهد امرأة سافرة الوجه أو الشعر حتى أنه شبه الزي المحلي للنساء ذي الألوان الزاهية بأنه "لباس راقصات".

ويوضح الشريط الذي لا يتعدى 30 ثانية ما تعرض له سكان شمال شرق سوريا ويتعرضون من قهر على اعتبار أن نساءهم يتمتعن بقدر كبير من الحرية في المجتمع الموصوف بالمحافظة، فسعى التنظيم إلى تقييدها، وهو الأمر الذى استغله حزب "الاتحاد الديمقراطي" لإبراز عمليات تجنيد النساء ضمن إطار نضاله إلى تحرير المرأة، رغم أن معظم المجندات -وقتها- كنّ من المناطق الكردية ومن مجتمعات لم تقع تحت رحمة التنظيم أصلا، حيث بدأت تجنيدهن بزعم رفع التسلط الذكوري عن رقابهن كتقليد لحزب "العمال الكردستاني" الذي يتفرع منه هذا الحزب الكردي -السوري، متجاهلا رفض المجتمع، أسس "الاتحاد الديمقراطي" أولى معسكرات التجنيد في "عفرين" وبمدن الحسكة الشمالية، وعلى رأسها مدينة "رأس العين"، التي كانت مسرحا لمعارك عديدة بين مسلحي الحزب وبين فصائل الجيش الحر عامي 2012 و2013، واستخدمت هذه المواجهات والنساء إعلاميا خلالها وبعدها بمعركة "عين عرب" ضد التنظيم لتجييش مشاعر الأكراد بهدف كسب المزيد من المتطوعين بينهم نساء إلى جانب الحصول على دعم دولي عام 2014.

هذا الاستخفاف بثقافة المجتمع المحلي وتقاليده وخداعه، تسبب بمقتل إحدى المجندات تدعى "فايزة محمود العبد الله" بمدينة "رأس العين" على يد ذكور عائلتها بعد شهرين من انتسابها إلى "وحدات حماية المرأة" الكردية منتصف آب/أغسطس الجاري.

كما رصدت بعض العائلات ملايين الليرات لمن يدلي بمعلومات عن مكان وجود بناتها المتطوعات بصفوف (YPJ) وهي تضمر التخطيط لقتلهن، بينما لم تعلق الميليشيا النسائية على الحادثة نهائيا.

الموت هنا، يعتبر نتيجة حتمية لمغادرة فتاة منزل والدها دون إذن لمدة طويلة نظرا لتجاهلها عادات وتقاليد المجتمع وتعاليم الدين المتبع في هذه المنطقة، واختلاطها على مدى أشهر طويلة مع الشباب ضمن المعسكرات والجبهات، فعائلات المقاتلات تدرك محاذير تطوع البنات في جهة عسكرية بغض النظر عن كونها "شيوعية" التوجه.

ما يعزز هذه المخاوف لدى الناس حقيقة أن تركيبة النساء البدنية والنفسية تجعلها غير مستعدة للعنف والقتال بخلاف الرجل، وهو الأمر الذي أكدته قيادي كردية بمقابلة بثتها قناة "سي إن إن" مطلع تموز يوليو/ 2015.

وأعادت "يورونيوز" بثها نهاية الشهر ذاته، وحتى لو عملت الفتاة بعيدا عن الجبهات، فستقوم بوظائف إدارية ضمن بيئة مناسبة لإقامة علاقات مع الرؤساء أو الزملاء وغالباً لن تحكم بقيم المجتمع المحلي، فهي تعمل تحت إمرة رجل لا يؤمن -غالبا- بمعتقداتها ولا يحمل الثقافة ذاتها.

مطلع حزيران /يونيو الماضي، طلب قيادي كردي من المتحدثة الرسمية باسم حملة "عاصفة الجزيرة" ليلوى "عبد الله" نزع غطاء رأسها خلال إعلان معركة "الدشيشة" وكان له ذلك بالساعة نفسها، فأدلت بتصريحها حاسرة الرأس رغم أنها تخلت عن الحجاب تدريجيا على مدى عامين، وهذا ينسحب على نحو 10 آلاف مجندة في هذه الميليشيا.

وهذا أبسط ما يمكن حدوثه في القوى العسكرية المختلطة بالمقارنة مع الحديث عن وجود مئات آلاف حالات الاغتصاب لمجندات في الجيشين الأمريكي والإسرائيلي إلى جانب تأكيد مجندات في قوات النظام السوري تعرضهن للاستغلال الجنسي من قبل الضباط خلال سنوات الحرب.

ومع استمرار الحزب تجنيد النساء في وحدات حماية المرأة (YPJ) واستدراج أعضاء شبيبته الثورية الفتيات (تحت 18 عاما) في المدارس بات المجتمع المحلي بشكل عام والعربي العشائري خاصة في حرج كبير كون لا يستطيع فرض وجهة نظره على قوة عسكرية مدعومة دولياً ولا تحترم ثقافته ولا تقاليده، فجنّدت البنات رغم اعتراض الوالد العائلة فالرجال حاليا لا يحكمون بيوتهم، وهو أمر واجهه الناس إبان سيطرة "الدولة" لكن بشكل عكسي أي زيادة القيود على المرأة واجبار الوالد والإخوة على تحمل مسؤولية المخالفة.

في السياق، ذكرت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها مطلع آب أغسطس الجاري أن الإدارة الذاتية الكردية ردت على تساؤل لها، قائلة إن الفتيات من مخيمات النازحين طلبن الحماية هربا من الزواج المبكر أو التحرش أو الاغتصاب، وإن "وحدات حماية المرأة" قدمت لهن المأوى والحماية، فيما قالت إحدى المجندات السابقات إنها شاهدت فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و17 سنة في التدريب.

وقالت أم لفتاة عمرها 13 عاما بتقرير المنظمة: "نحن فقراء، لذا أخبروا ابنتي بأنهم سيقدمون لها المال والملابس"، ولا تزال مختفية منذ شهر.
حالياً، يتهم الأهالي أصحاب الصيدليات المرخصة من قبل الإدارة الكردية في دير الزور باستخدام الحبوب المخدرة لاستغلال النساء اللواتي يتناولن الحبوب على أنها علاج لوجع الرأس وغيرها من الآلام البسيطة، لكنهن يجدن أنفسهن مدمنات وهذا ما قد يجرهن إلى التجنيد طواعية للحصول على الحبوب المخدرة.

أمّا "وحدات حماية المرأة"، فتقول بتعريفها لنفسها: إنها تناضل "ضد التسلط الذكوري ونظامه الجنسوي الدينوي القوموي والعلموي ونظام البطرياركي الدولتي (...)، وتعمل على توعية المرأة لكسر قيود العبودية لتقف بوجه كل حالات الاغتصاب الجنسي والجسدي والثقافي والأخلاقي للمرأة"، لكنها تقودها فعليا إلى ذلك فتموت على الجبهات وتخضع للأوامر العسكرية ورغبات الرجال بالمعسكرات والإدارات.

والمرأة -حسب التعريف- يمكنها اتخاذ قرارها بنفسها وتقف في وجه جميع العوائق والصعوبات والعادات والتقاليد التي تصفها بـ"الرجعية البالية"، ولها الحق في الانضمام إلى "وحدات حماية المرأة"، دون استشارة أحد، أي دون إذن أهلها.

الخلاصة فإن لسان حال هؤلاء الناس يقول إن النساء بتن "يفعلن أفعال الرجال" ولا سبيل لإعادتهن إلى وسطية المجتمع المحلي مقارنة بتضييق "الدولة" وتفريط "YPJ"، فعلى الشاعر "حافظ إبراهيم" توجيه خطابه لسلطات الأمر الواقع قائلاً: فتوسطوا في الحالتين وأنصفوا *** فالشر في التقييد والإطلاق.

محمد الحسين - زمان الوصل
(184)    هل أعجبتك المقالة (176)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي