أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

معتقلو سوريا.. نعوات جماعية وجنازات بالآلاف في قوائم ورقية

لا يكاد يمر يوم واحد في سوريا، دون أن ينشر أسماء معتقلين قضوا تعذيبا في سجون نظام الأسد

أخيرا بدأ نظام الأسد بالإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين في سجونه على إثر الثورة السورية، لكن المفرج عنهم مؤخرا لم يكونوا أحياء بجسد وروح، بل قوائم ورقية وزعت على دوائر النفوس ومخاتير البلدات، ليعرف أهالي الضحايا المصير الذي حل بأولادهم، حتى أنه لم يسلم أي جثة لذويها، لأن الكثير من أصحابها قتلوا في أعوام 2011 و2012، أي عندما كانت الثورة سلمية، والجرم الأكبر الذي دعا للاعتقال هو تقديم الشبان الورود وزجاجات المياه لعناصر جيش الأسد خلال تظاهراتهم ونداءات الحرية التي صدحت بها حناجرهم.

مؤخرا أرسل نظام الأسد قائمة بأسماء أكثر من ألف شهيد من أبناء مدينة "داريا"، قضوا في سجونه، وقبلها سلمت قائمة لدائرة النفوس في "الصنمين" ومن قبلها أرسلت قوائم إلى معضمية الشام، والقابون، وحماة، والحسكة، وحماة، وحمص، ولم يذكر في هذه القوائم أي شيء عن مصير الجثث أو في أي مكان تم دفنها.

الصحفي "فراس اللباد" الذي علم باستشهاد أخيه المعتقل منذ 6 سنوات، من خلال القائمة المرسلة إلى مدينة "الصنمين" قال: "بقينا على أمل أن يخرج أخي، وكانت والدتي تذهب باستمرار إلى الفروع الأمنية التابعة لنظام الأسد في دمشق من أجل السؤال عنه. اعتقل أخي وهو في عمر 19 عاما، على حاجز أمني (طيار) في دمشق، ومنذ ذلك الوقت لم نعرف أين هو وعند أي جهة، إلى أن جاءنا خبر استشهاده من خلال القوائم الموزعة حديثا". 

وأضاف: "ومنذ أسبوع تقريبا بدأ النظام بإرسال القوائم إلى عدة مدن، ووصلت إحداها إلى مدينة الصنمين. كانت تضم أرقاما كبيرة من أسماء الشبان الذين قتلوا تحت التعذيب في سجون الأسد، وكان اسم أخي (أنس) في القائمة".

وأكد خلال حديث لـ"زمان الوصل" على أن سوريا تشهد كارثة كبيرة لم يشهدها التاريخ، من خلال قيام نظام الأسد بقتل جميع الشبان في المعتقلات دون أي رادع من قبل أي جهة دولية، مشددا على أن النظام يسعى جاهدا لإفراغ سوريا من فئة الشباب من خلال القتل في المعتقلات والزج بجزء كبير منهم في الحرب الدائرة من أجل الحفاظ على كرسيه، فضلا عن التهجير في شتى بقاع الأرض.

*قتل المعتقلين جريمة حرب
قوائم الضحايا المرسلة مؤخرا لم تكن الحدث الوحيد المتعلق بقضية المعتقلين، إذ سبق وأن أكدت منظمة العفو الدولية (أمنيستي) عام 2016 بأن نظام الأسد قتل 13 ألف معتقل في سجن "صيدنايا" وحده، كما جالت صور (قيصر) عواصم عالمية عدة، وهي عبارة عن 55 ألف صورة لجثث تعود لنحو 11 ألف معتقل قتلوا تحت التعذيب، تمكن قيصر من تهريب تلك الصور خارج البلاد بعد انشقاقه عن الجهاز الأمني.

الصحفي والحقوقي "منصور العمري" أكد على أن إعدامات "صيدنايا" تعتبر إعدامات بإجراءات موجزة وتعسفاً، وهي جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب لأن الأسد ارتكبها عمدا في إطار حملة واسعة النطاق وممنهجة، مشيرا إلى أن المحكمة الميدانية أصدرت آلاف أحكام الإعدامات وتم تنفيذها، دون محكمة مشكلة نظاميًا تكفل الضمانات القضائية الواجبة، حيث لا تستوفي هذه المحكمة الضمانات القضائية المعترف بها، مثل وجود محام وعدم الاعتماد على الأقوال المنتزعة تحت التعذيب على يد مخابرات الأسد. 

وشدد "العمري" في تصريح لـ"زمان الوصل" على أن جميع الإعدامات التي نفذها نظام الأسد والتي صدرت عن المحكمة الميدانية والمرتبطة بحالة الحرب تُعتبر جرائم قتل لا عقوبات، وجرائم حرب، وجريمة ضد الإنسانية كجزء من جريمة أكبر في استهداف المدنيين. يحق لكل من أُعدِم قريبه في "صيدنايا" مثلًا، محاكمة النظام.

*لا جريمة من دون جثة
لا يكاد يمر يوم واحد في سوريا، دون أن ينشر أسماء معتقلين قضوا تعذيبا في سجون نظام الأسد، وكحال معضلة الحل في بلدهم بقيت قضية المعتقلين عالقة بالرغم من حضورها كملف بارز في جلسات الأمم المتحدة والمحادثات السياسية، وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قدرت أعداد المعتقلين في سجون نظام الأسد بأكثر من 215 ألف معتقل. 

وأوضح الحقوقي "منصور العمري" أن نظام الأسد وكل من يدعمه بشكل مباشر، مثل النظام الروسي والإيراني والحكومة اللبنانية والعراقية كل عن حزب الله والمليشيات الطائفية العراقية، مسؤولون قانونيا تجاه ما يحدث للمعتقلين، فيما ألقى المسؤولية الأخلاقية على عاتق المجتمع الدولي والأمم المتحدة.

وقال: "لا جريمة بلا جثة، هو ما يسعى النظام لفعله من خلال الاعتراف بوفاة الأشخاص دون تسليم الجثث أو الاعتراف بسبب الوفاة. لذلك يجب توثيق جميع الأسماء الصادرة ومحاولة إيجادهم في صور سيزر (قيصر)، لأن الصور هي الدليل الوحيد المتبقي بعد تخلص النظام من الجثة، ويمكن أن يقبل القضاء الصور كدليل على الوفاة ومعاينتها من خلال الطب الشرعي لكشف الأسباب والتعرض للتعذيب.

بالإضافة لمحاولته تصفية ملف المفقودين والمعتقلين، من خلال تسليم أخبار وفاتهم دون تبيان أسباب الوفاة. تشير هذه الجرأة لدى النظام وبدعم من النظام الروسي، عدم مبالاته مطلقا برد الفعل الدولي، بعد كل ما ارتكبه من جرائم كبرى كالكيماوي وغيره، ولم يتحرك المجتمع الدولي".

وأضاف العمري: "الجثث لا تسلم ويرفض النظام أي طلب من الأهل بتسليمها، هو يتخلص منها من خلال مقابر جماعية أو محرقة كالتي في سجن "صيدنايا". عندما تتسلم العائلة خبر وفاه ابنها، لا تستطيع البحث في الأسباب بسبب خوفها من الاعتقال طبعا، وهو ما ينهي ملف ابنها، وتسلم بالأمر الواقع". 

وتابع: "بعض الأهالي يخافون من الذهاب إلى أي دائرة حكومية بالأساس وحتى السجل المدني، خوفا من الاعتقال أو أن يكونوا مطلوبين".
وأشار الإعلامي والناشط في مجال حقوق الإنسان إلى صعوبة متابعة العدالة في سوريا من قبل أهالي الضحايا، وطالبهم بضرورة التوجه إلى المحاكم الإقليمية أو الدولية. وقال: "على الأهالي التواصل مع المنظمات السورية والدولية الإنسانية لتوثيق حالات الوفاة، من أجل بناء قضايا قانونية ورفعها في المحاكم الدولية. يمكن للأهالي في مناطق النظام والذين يخشون من انتقام النظام منهم، التواصل بسرية مع المنظمات الناشطة في هذا المجال، وطلب عدم كشف الاسم أو أية معلومات قد تقود إليهم".

وأفاد "العمري" بوجود منظمات سورية عديدة "وهي الأساس في تلقي المعلومات من الأهالي لتوثيقها والعمل مع المنظمات الدولية والقضاء الوطني في دول مثل ألمانيا والسويد وغيرها من أجل بناء الدعاوى القضائية ضد الأسد وعصابته".

وعن عجز جميع المساعي الدولية في حل قضية المعتقلين قال: "الفيتو الروسي يمنع أي تحرك بهذا الاتجاه، ويشكل غطاء سياسي لجرائم الأسد، كما أن الحل يتطلب إرادة حقيقة، وهو ما يفقده المجتمع الدولي الذي ليس على استعداد لتقديم تنازلات أو مساومات للنظام الروسي كي يساعد في حل ملف المعتقلين، وهو ليس الملف الوحيد الذي تجاهله المجتمع الدولي".



محمد الحمادي - زمان الوصل
(120)    هل أعجبتك المقالة (128)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي