أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

اللي مغلبه... واللي مغلبني!!! ... حسن بلال التل

قبل عدة أيام من كتابة هذا المقال كانت احدى الصحف الاردنية اليومية قد نشرت خبرا حول شاب جامعي يدرس في احدى الجامعات الحكومية ويبلغ من العمر واحدا وعشرين عاما نقل الى المستشفى وهو في حالة هلوسة وسكر شديدين ناجمين عن تعاطي المخدرات، لكن نقله للمستشفى لم يكن بسبب السكر بل بسبب قيامه بقطع عضوه التناسلي!!! ومما رواه الاطباء ان هذا الشاب طوال فترة استجوابه من قبلهم ومن قبل مندوب الحوادث في المستشفى وسؤاله عن سبب قيامه بهذ الفعلة التي كان حتى تلك اللحظة لا يعيها ولا يعي نتائجها، كان الشاب يصرخ مخمورا مغلبني... مغلبني !!! وبقدر ما ان الموضوع مضحك مبك بسبب طبيعة الحادث والعبارة التي استمر الشاب بترديدها وعدم وعيه لنتائج فعلته وانعكاساتها على مستقبله ومستقبل اسرته وآثارها النفسية والجسدية عليه على المدى الطويل، خصوصا ان الخبر لم يوضح ان تم اصلاح الضرر او ان كان بالامكان اصلا اصلاحه، فان في المسأله ناحية أكبر ومؤشرا أخطر يفوق مجرد قيام شاب مخمور بايذاء نفسه.
فهذا الشاب الذي بالكاد جاوز سن المراهقة تمكن من الحصول على مخدرات قوية بالتأكيد لن تكون اقل من الهروين او الكوكايين او ما هو في مصافها وهذه بحد ذاتها كارثة تدق ناقوس خطر كبير بل وكبير جدا، فالمخدرات القوية لم تعد حكرا على قلة من المتعاطين والاثرياء الذين يستعملونها كنوع من الترفيه، بل أصبحت أمرا يسيرا، فقد ووصلت الى عقر جامعاتنا بعد ان اجتاحتها قبل ذلك الكحول وانواع المخدرات الاخف من مثل الحشيش وحبوب وعقاقير الهلوسة وسواها.
أما الامر الثاني فهو أن شابا في مقتبل العمر مثل صاحبنا هذا قد تمكن من الحصول على مبالغ بالتأكيد كبيرة مكنته من شراء مثل هذه المخدرات وبالتالي فهذا مؤشر خطر حول واقع المنظومة الاسرية والتربوية في وطننا وما وصلت اليه، وان الاهل لم يعودوا يكلفوا أنفسهم عناء متابعة أبنائهم، بل أصبح دفن المشاكل بالنقود هو أسهل الحلول، وفقد المال كل طعم وقيمة في نفوس ابنائنا فلم يعد احدهم يهتم له او يشعر بقيمته بأي شكل، وقد سمعت من أحد الاصدقاء ممن يعملون في مدرسة خاصة بعينها روايات تخالط الخيال حول مقدار اسفاف الاهل هذ الايام بالمال وعدم تعليم الابناء قيمته بحيث أن الطفل الذي بالكاد بدء المرحلة الابتدائية يحصل في اليوم الواحد على 50 دينارا أو يزيد كمصروف للمدرسة وهذا يجاوز حدود كل معقول.
أما ثالثها وهو الأسؤ والذي وإن بدا مضحكا فهو الشر ماثلا، وهو تلك العبارة التي كان الشاب يرددها وسط سكره والحال التي كان بها... مغلبني... مغلبني... وبقدر ما ان سماع الامر للوهلة الاولى هو اشبه بسماع نكتة، الا أن التمعن فيه يدعو الى الكثير من التوقف والتفكير، فهذا الشاب الذي لم يبلغ الحادية والعشرين وهو سن وفق مقاييس هذه الايام وأساليب التربية الحديثة يعني ان هذا الشاب هو رجل بعقل ونفسية وتصرفات طفل -حسب الاغلب الاعم مما نراه من شباب هذه الايام، الذين يبلغون النضج متأخرا جدا- ورغم ذلك فهذا الطفل الذي يتعاطى المخدرات ويحصل على مبالغ كبيرة من المال الله وحده يعلم كيف وصلت اليه بالضبط، وفي حالة من السكر قام بتعبير راديكالي وشديد للغاية عن خلجات نفسه، فحسب ما يقول العديد من علماء النفس فان الانسان في حالة السكر يكون متمتعا بمقدار كبير من العقل والتفكير بل والوعي في بعض درجاته، لكن تسقط عنده حواجز العيب والخجل والخوف وتثور معها صور متطرفه من التعبير الذي يوصف ايضا بالمتطرف عن مشاعر وهواجس وهموم دفينة، تمثلت عند هذا الشاب بعبارة مغلبني وهي بحد ذاتها ناقوس خطر تشير الى مقدار الانحلال الخلقي والاجتماعي والديني الذي وصلنا اليه، فنحن الآن نعيش في بلد اصبح فيه الشذوذ الجنسي وبين افراد كلا الجنسين امرا واقعا لا يقبل النقاش او النفي، واصبحت حانات ومقاهي واماكن تجمع الشواذ في عمان وغيرها أشهر من نار على علم، بل ووصل الحال الى اصدار مجله تروج للشذوذ الجنسي بين الرجال، وعشرات ان لم يكن مئات من المواقع الالكترونية التي" تتبنى قضايا الشواذ في الاردن وتروج لها وتطالب لهم بحقوقهم وانصافهم" .
هذا عدا عن الانحلال المتمثل بالنوادي الليلية التي غزت كل شارع وحي سكني او غير سكني بلا رقيب او حسيب او تنظيم، وعدا عن بنات الليل اللواتي يطفن شوارع عمان وسواها من كل صنف ولون وجنسية، بل واصبح هناك العديد من النقاط المعروفة والمشهورة لتجمعهن وعملهن، وكذلك ما نراه من مناظر منكرة لشباب وفتيات في عمر الزهور يطوفون الشوارع والمقاهي حتى ساعات متأخرة من الليل في غياب مطلق لرقابة الأهل او دورهم، وحتى وصلنا الى مرحلة لم يعد الاب يستطيع فيها ان يحكم ابنته او الاخ ان يؤدب اخته، وذلك كله تحت سيف القوانين "العوجا" التي لا تراعي طبيعة المجتمع واحتياجاته اوحمايته.
اما جامعاتنا بل وحتى مدارسنا، فحدث ولا حرج، فهي إما ساحات حرب وقتال او شوارع غرام يتطور ليصبح علاقات مشبوهة بين الأزقه والأشجار وفي الطوابق والمباني الفارغة.
كل هذا وسواه مما لا يذكر، او يضيق المجال عن ذكره، تمثل أمامي دفعة واحدة في تصرف وصرخة شاب مخمور عبر عن كل هذه المآسي والاضطرابات النفسية والخلقية والمجتمعية بشمة هروين وحد سكين وصرخة مغلبني... ليكشف على حين غرة لمجتمع ساه، حائر، منساق نحو العدم، عن تلك النقطة البعيدة من قاع الحضيض الاخلاقي التي وصل اليها، والله وحده اعلم ان كان سيستطيع التسلق خارجا منها؟؟
يا صاحبي المتغلب ..... قد اسمعت اذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي... فصرختك التي أجزم أنك ما زلت تطلقها مع كل طلعة شمس -تشعرك أكثر بحجم فعلتك ومن ورائها أسبابها ودوافعها- كانت لتحدث الكثير من الفرق لو انها لامست أسماع احياء او مجتمع يحس ويفكر، لكنها صرخة مخمور وسط قبور، ما كانت لتحيي ميتا أو ترد ضائعا... فاصرخ معي غلبتني يا وطني... غلبتني يا ابن وطني... لكن للأسف لا أملك القلب لأن أبترك لكنني أملك ان ابتر قلبي لأريحه وما عدت اظن هذا اليوم ببعيد

(112)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي