أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

دمى وروحى وابتسامتى ... شوقي حافظ

المنطقي أن يبدأ شعار (بالروح .. بالدم) الذي يطلقه الملايين بالدم أولا ثم الروح بعد ذلك فمن تطلع روحه لادم عنده، وعلاقتي المحدودة بتظاهرات الروح والدم بدأت بعد يوليو 52 بمصر، طلعت روحي من المشاركة في تظاهرات إجبارية لتلاميذ المدارس تأييدا لفلان وعلان، والتظاهرة الوحيدة التي حثني أبي - رحمه الله - على المشاركة فيها (كنت طفلا) كانت عام 51 احتفاء بمقدم زعيم حزب الوفد مصطفى باشا النحاس في زيارة لمسقط رأسه بمدينة سمنود المصرية .. كان أبي وفديا صميما حتى أنه أطلق اسم (وفدية) على شقيقتي التي تكبرني بعامين، وكانت تلك مشاركتي الوحيدة في مظاهرة صادقة في مشاعرها ، خالية من أي دماء أو إزهاق أرواح !
كصحفي قمت بتغطية عشرات من مظاهرات الروح والدم في بلدان متعددة والاعلامي ينقل الحدث ولا يصنعه ويعزله عن مشاعره الشخصية التي قد تكون في اتجاه عكسي تماما ، لهذا - ورغم استيائي الشديد - غرقت في بحور أرواح ودماء تظاهرات المتظاهرين في مناسبات وأماكن مختلفة ، وكنت أعزي نفسي لاضطراري لبعض هذه الممارسات النفاقية بأن المسألة بالنسبة لي مجرد (أكل عيش) تنسجم مع قول من قال : ناقل الكفر ليس بكافر ، وهذه تبريرات واهية لدفن الضمير في كفن الضرورات ومشاركة أصيلة في بعض ما يجري على الأقل بالتواطؤ، وسامحونا!
التظاهرة الوحيدة التي شاركات فيها وأثارت ابتسامتي كانت بمدينة الاسكندرية أوائل السبعينيات ووقتها كنت أعمل اخصائيا للصحافة والنشر باحدى شركات القطاع العام المصرية .. كانت التظاهرة ترحيبية بزيارة الرئيس السوفييتي الأسبق نيكولاي بودجورني للمدينة، وحرص المنظمون على وقوف الموظفات والعاملات في الصف الأول والموظفين خلفهن، وعندما كانت سيارة الضيف تمر أمامنا أطلقت إحدى الزميلات التعليق التالي : هيء .. واختزلت اسم الرجل إلى مقطع يحمل معنى جنسيا فاضحا .. وقد وجعتني بطني من المجهود الضخم الذي بذلته لأكتم الضحك داخلي حتى لا أروح في الكازوزة .. الآن لا أجد من يستحق دمي وروحي سوى صورة طفل شهيد رأسه هو العضو الوحيد الذي لم تدفنه انقاض منزله المقصوف في غزة..بسبب (اللي ماعندهمش) دم!

(106)    هل أعجبتك المقالة (103)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي