"العروبية" لم تكن يوما من الأيام مجرد انتماءا اسميا فقط وإنما هي أفعالا تكرس الانتماء الاسمي وانتماء الأصل , وقلما تجد في هذه الأيام حاكما أو أميرا أو رئيسا لدولة عربية يكون عربيا اسما وفعلا ويمثل مصالح أمته وشعبه العربي.
هناك صنفين من الحكام أولهما من يعتبر نفسه رجلا لامثيل له من مجرد جلوسه على كرسي الحكم ولكنه في الحقيقة هشا لا يستطيع تسيير أمور حكمه إلا بسند خارجي يدعمه سواء بشكل معلوم أو مجهول , وهناك صنفا آخرا وهو من يعتبره الآخرين رجلا بأفعاله والتي قد تكون بسيطة في طريقة أدائها ولكنها شجاعة , وبقدر بساطتها فإنها تكون معبرة عن مواقف امة بأكملها ... هناك فرق كبير وواضح بين الصنفين ..
رجب طيب اردوغان , رئيس الوزراء التركي هو مسلم و غير عربي , لكنه وبقدر انتمائه إلى ديننا الإسلامي فانه ينتمي إلى شرقنا الأوسط وعروبتنا أكثر بكثير من معظم حكام دولنا العربية الإحدى والعشرون والذين من المفترض بهم أن يمثلوا ويدافعوا عن مصالح الأمة , فان هذا الرجل له من المواقف التي تستدعي الانتباه وتجعلنا نقف أمامها مطولا ليس كي نقرأ ما وراءها أو كي نفندها , وإنما كي نتأمل تلك الشجاعة والتي يندر في وقتنا الحالي أن تجد مثيل لها بعد الرئيسان الراحلان صدام حسين وياسر عرفات ,والتي كان آخرها تلك الشجاعة التي أبرزها أمام دولة الاحتلال الإسرائيلي و التي لم تحترم كبيرا أو صغير في المجتمع الدولي وقد تجاوزت في أفعالها كل الحدود وتخطت كل القوانين والتي اعتبرت نفسها فوقها .
" أشعر بالحزن عندما يصفق الناس لما تقوله لأن عددا كبيرا من الناس قد قتلوا، وأعتقد أنه من الخطأ وغير الإنساني أن نصفق لعملية أسفرت عن مثل هذه النتائج" , " سيد بيريس أنت أكبر مني سنا، أشعر أنك ربما تشعر بالذنب قليلا لذلك ربما كنت عنيفا، أنا أتذكر الأطفال الذين قتلوا على الشاطئ وأتذكر قول رئيسي وزراء من بلدكم إنهما يشعران بالرضا عن نفسيهما عندما يهاجمان الفلسطينيين بالدبابات" ... هي تلك بعض من الكلمات التي قالها اردوغان موجها كلامه إلى رئيس دولة الاحتلال شمعون بيرس والى الحاضرين في المؤتمر قبيل انسحابه منه , رغم قساوة تلك الكلمات إلا أنها لا تعادل الفعل الذي قام فيه وهو انسحابه من جلسة المؤتمر احتجاجا على تصفيق المؤتمرين بعد كلام بيرس والذي يبرر فيه قتل المدنيين الفلسطينيين في غزة والذي له دلالات كبيرة اكبر من حجم جميع الجالسين في المؤتمر ....
كان يتواجد في المؤتمر عددا من الرؤساء العرب وأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى , وقد يسأل سائل .. ألم يكن من الأولى أن يهب هؤلاء الحاضرين العرب للوقوف في وجه بيرس وتفوهاته ضد الفلسطينيين؟ .. والجواب بسيط , وهو انعدام الانتماء لدى هؤلاء العرب الحاضرين إلى عروبتهم وقد أصبح واضحا , ويؤسفني ويحزنني القول هنا أن عمرو موسى هذا الرجل الذي ما عهدناه سوى عربيا شجاعا يدافع عن الحقوق العربية , فقد أصبح محسوبا بطريقة أو أخرى على الأنظمة العربية الرسمية بكل مساوئها , وإكمالا لإجابة السؤال المطروح فان اردوغان لم يقف لكي يدافع عن الفلسطينيين الأبرياء في وجه بييرس لأنه مسلما وهم مسلمين وإنما لانتمائه إلى الإنسانية في وقت أصبح المعظم كالحيوانات لا إحساس لديهم بل ينهشون بعضهم بعضا ....ويا اردوغان إن الرجال قلائل .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية