أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عرسال.. 5 أيتام في خيمة وحديث عن خبز التنور لا يسمن ولا يغني عن جوع

الجدة خديجة عامر وأيتامها

إثنان وسبعون عاما سرقها الزمن من عمر الجدة "خديجه عامر" (أم أمين)، كما سرق منها بيتها الطيني في قرية "النزارية" بمنطقة "القصير" وزوجها العجوز كذلك.

"ما غفل عنه الزمن أكملته الحرب"، تقول الجدة "أم أمين" بحرقة وحسرة لـ"زمان الوصل" وهي تستذكر مصائبها وخساراتها.
فم العجوز بدا مرتجفاً خائفاً متلعثماً، وهو ينطق بكلمة "الحرب"، "هناك خلف تلك الجبال تركت زوجي "أبو أمين" جثة هامدة بعدما سقطت قذيفة وسط المنزل.

تتابع العجوز: "وهنا خلف تلك القضبان، في سجن رومية يقبع ولدي لعشر سنوات قادمات، لم يترك لي الزمن والحرب وأنا في أرذل العمر غير هاتين التسليتين يملأن علي ما بقي لي من حياة، خمسة أيتام وحفنة من الذكريات..أحمد، أمين، إسماعيل، محمد، وسيدرة لا يعلمون شيئاً عن وحشية السرطان الذي اختطف منهم والدتهم قبل عامين في مخيمات عرسال حيث يقيمون، يتكورون داخل حضن جدتهم كالباحثين عن خلاص، بعدما لفظهم حضن وطنهم المشتعل موتاً ودماراً، وأي خلاص تقدمه صاحبة تلك اليدين المرتجفتين العاجزتين".

تتذكر الجدة "أم أمين" بقراتها الثلاث، "كنا من الأغنياء" تقول لأحفادها، بعت منهن بقرة ليتزوج أبوكم، لقد كان الأفقر بين أولادي.

حديث الجدة يزداد تسارعا مع كل خاطرة تحط بذاكرتها وهي تسرد لأحفادها الخمسة ذكرياتها، "كنا نخبز على التنور"، تقول بدفء، "وكنت أطعم كل جيراني في الحارة من ذلك الخبز، لم يكن للجوع طريق نحو بابنا، ليس لدينا باب هنا وسط هذه الخيام"، تضيف العجوز وهي تتهجى بيتاً من العتابا لا تتمكن من إكماله: "الدهر دولاب والإيام خانت..ويا أمي سكروا علينا بواب خانات".

والد الأطفال "عبد الرحيم عامر" ذلك الأربعيني المريض "بالديسك" في أحد أزقة البلدة يبحث عن عمل، فهذه الأفواه بحاجة لمن يقيها ذل السؤال وحاجة الناس.

خيمة العجوز "أم أمين" أصبحت وراءنا في مخيمات "عرسال"، غير أن حديث الذكريات عن خبز التنور الذي تصدح به الجدة لازال يتهادى إلى مسمعي، وهل لحديث تلك العجوز القدرة على إشباع تلك الأمعاء الخاوية لأيتامها الخمسة.

عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
(129)    هل أعجبتك المقالة (133)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي